والحقيقة أن طريقة إخراج الإسرائيليات من كتب التفسير بعيدة عن مناهج المفسرين , وهي كذلك متناقضة وغير عملية أو منهجية , وكثير ممن نصوا في تفاسيرهم على تجنب الإسرائيليات وعدم روايتها؛ أورَدُوا في أثناء تفاسيرهم عدداً منها فمستقل ومستكثر – كتفسير المنار على سبيل المثال –.
الوقفة الخامسة:
ما الفائدة من الإسرائيليات في التفسير , وما الحاجة إليها , خاصة وأن بيان كلام الله تعالى لا يفتقر إلاّ إلى معرفة بالشرع وبلسان العرب؟
هناك من يقول أن الإسرائيليات غير مفيدة في التفسير ولا حاجة إليها فيه , لكن صنيع المفسرين من لَدُن الصحابة إلى التابعين وتابعيهم إلى ابن جرير وكل من بعده من المفسرين؛ ذِكرُ الإسرائيليات في تفاسيرهم , وهذه قضية منهجية عند المفسرين , والذي يسأل عن فائدة الإسرائيليات في التفسير؛ يبدأُ بسؤال ابن عباس وأبا هريرة وابن مسعود وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أول من روى الإسرائيليات في التفسير.
وأستطيع القول هنا أن:
((التفسير لا يحتاج إلى الإسرائيليات ولكنه يستفيد منها))
فالشيخ السعدي – رحمه الله - مثلاً , اعتمد في تفسيره لسورة يوسف على دقائق اللغة وسياق الكلام والموضوع العام , وغير ذلك , وترك ذكر أي شيء من الإسرائيليات فيها , فنطقت له الآيات بفوائد عجيبة ومعاني دقيقة , فهو هنا لم يحتج إلى الإسرائيليات , ولكننا - ولاشك - سنستفيد مما صح منها عن الصحابة مثلاً , في تأكيد هذه المعاني الصحيحة وتثبيتها.
الوقفة السادسة:
كان اليهود يعيشون مع الصحابة في المدينة , وكان أهل الذمة بعد ذلك في مجتمعات المسلمين آمنين , ومعهم في شوارعهم وبين بيوتهم وحول مساجدهم , ويحسن بنا أن نلحظ البُعدَ الدعوي في الإذن النبوي بالحديث عن بني إسرائيل ما كان حقاً من أخبارهم , أو ما لم يعارض شرعنا , وهذا العدل والإنصاف في العلم والدعوة باب عظيم من أبواب الترغيب في الإسلام , وتحبيب أهل الذمة في هذا الحق الذي يتمم ما عندهم من الحق , ولا يرد الحق ممن جاء به.
كما أنه كان من ثمرة ذلك الاحتكاك مع أهل الذمة التعرف على كتبهم وأخبارهم عن كثب , وتنقية ورد ما ينتشر منها بين العامة مما يعارض الشريعة , أو رواية ما يصلح منها , خاصة مما له علاقة بكتاب الله تعالى.
الوقفة السابعة:
كثير منّا ينفر من الإسرائيليات إذا مَرَّت معه في كتب التفسير لأنها إسرائيليات , لا لِأنها خالفت نصوصاً شرعية , أو مسلمات عقدية , وهذا خطأ منهجي , ناتج عن التصور القاصر للإسرائيليات في كتب التفسير.
الوقفة الثامنة:
بعض المفسرين ينقلون في تفاسيرهم من التوراة مباشرة , كالفخر الرازي , وابن كثير , وابن عاشور , وغيرهم , بل نقل ابن عاشور في تفسيره لآية (20) من سورة المؤمنون عن التوراة , وعن أساطير اليونان وإلياذتهم لهوميروس!!.
الوقفة التاسعة:
الأسانيد تفيد في ثبوت نسبة الخبر إلى قائله , فما فائدة ذكر أسانيد الإسرائيليات مادام متنها عن بني إسرائيل , وهم أهل الكذب والتحريف؟
من فوائد إسناد الإسرائيليات معرفة ثبوتها عمّن حكاها , ومعرفة من رواها كذلك , فهي عن الصحابة ليست كروايتها عمّن دونهم .. وهكذا , كما أن في الإسناد للخبر خروج من عهدته , وتحميل للقارئ أن ينظر فيه ويحكم بنفسه , وكما قيل أن حال المسند كحال الشرطي الذي يجمع كل ما له علاقة بالجريمة وكل ما يمكن أن يكون تهمة للجاني؛ ويضعه بين يدي القاضي ليختار منها ما شاء ويدع منها ما لا يصلح لعدم كفاية الأدلة.
الوقفة العاشرة:
الكتب المؤلفة في الإسرائيليات في التفسير عديدة , من أولها وأشهرها كتاب:
" الإسرائيليات في التفسير والحديث " لـ د/ محمد حسين الذهبي – رحمه الله - , وكتاب: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير , لـ د/ محمد بن محمد أبو شهبة – رحمه الله - , وكتاب: الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير , لـ د/ رمزي نعناعة . وغيرها.
ويغلب في تناولها العاطفة , وعدم التمييز في الأحكام.
أما كتاب الذهبي فكَتَبَه بطلب من مجمع البحوث في الأزهر , وأخذه نعناعة قبل أن يُطبع , وضمنه كاملاً في كتابه الذي هو رسالته للدكتوراه , وناقشها أبو شهبة , والذهبي حاضراً , وواجهوه بأخذه لكتاب شيخه الذهبي كاملاً دون أي إشارة إليه , وطالت واشتدت المناقشة , وأثرت على درجته فيها. – حدثني بهذا أحد الأساتذة الجامعيين الذين حضروا هذه المناقشة -.
وبعد:
فهذه عشر وقفات , تشبه أن تكون فوائد متناثرة , قصدت فيها إلى ذكر بعض المسائل المتخصصة , دون عامة المسائل في الإسرائيليات , مما هو معلوم لدى العموم.
وأرجوا أن نجد في ما يأتي من تعليقات ما يُثري الموضوع أكثر , على أن تكون في هذا الإطار , وسنواصل التعليقات إن شاء الله تعالى حتى يكتمل الموضوع , ويكون جديراً بهذا المُلتقى المبارك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=143&highlight=%C7%E1%C5%D3%D1%C7%C6%ED%E1%ED%C7%CA
¥