ويجوز ضبط هذه الكلمة بمعنى أرى وذلك بفتح الهمزة فيكون المعنى أعلم رؤياكم والأول هو الأشهر عند أهل العلم.
قوله [فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الآواخر].
أي فمن كان منكم يتحرى ليلة القدر ويتحرى القيام فيها ويتحرى الدعاء فيها وقيام ليلتها فعليه بالجد والاجتهاد بالسبع الآواخر خصوصاً أوتارها.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تحديد ليلة القدر وذلك على أربعين قولاً سردها كلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وفي بعضها تقارب يمكن ضم قول إلى قول وبعض هذه الأقوال شاذة بل باطلة كقول بعضهم إنها رفعت وقول آخر أنها في كل السنة وهذا قول باطل أيضاً، وكذلك من الأقوال الباطلة أنها ليلة النصف من شعبان فهذه لا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولامن قول صاحب جاء عنه بإسناد صحيح.
وأكثر أهل العلم على أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين وكان أبي بن كعب يحلف على هذا والأثر عنه رواه مسلم في صحيحه.
واحتج الجمهور لقولهم بما ذكره المصنف في الباب من حديث معاوية بن أبي سفيان.
657/ فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر (ليلة سبع وعشرين).
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبيدالله بن معاذ قال حدثنا أبي عن شعبة عن قتادة قال سمعت مطرّفاً يحدث عن معاوية. ورواه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق شعبة به.
ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة عن عفان، والبيهقي من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن معاوية من قوله وهذا هو المحفوظ وعليه لايصح الاحتجاج بالخبر على تعيين ليلة القدر والحق في هذه المسألة أن يقال إن ليلة القدر في أوتار العشر وأرجاها ليلة سبع وعشرين وهل هي محدَّدة في هذه الليلة على مر السنين أم أنها تنتقل ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها في ليلة واحدة ولاتنتقل وقال آخرون إن ليلة القدر تنتقل فقد تكون في هذا العام ليلة خمس وعشرين وفي العام الثاني ليلة سبع وعشرين وفي العام الثالث ليلة تسع وعشرين وهذا القول أقرب إلى الدليل فإن قيل لماذا لم يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بتعيينها.
فالجواب: لئلا يتكل العباد على هذه الليلة ويدعوا العمل في سائر الشهر فلذلك من الحكمة العظيمة أن العباد لايعلمون تعيينها عن طريق النص ليجتهدوا ويضاعفوا الجهود في العبادة والدعاء لعلهم يصيبونها لأن من أصاب ليلة القدر فقد أصاب خيراً كثيراً ففي الصحيحين وغيرهما من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه) وقد قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}.
فمن تقبل منه في ليلة القدر فعبادة ليلة واحدة تفضل عبادة ألف شهر وذلك ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر فهذا ثواب كبير وأجر عظيم على عمل يسير قليل على من يسره الله عليه فقد قال معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال له صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه) وهذا الخبر وراه الترمذي في جامعه من طريق أبي وائل عن معاذ واختلف في سماعه منه وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وخالفه الدارقطني وذكر أن الصحيح في هذا الخبر رواية حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ.
658/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يارسول الله، (أرأيت إن علمت أي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
هذا الخبر رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبا داود.
والحديث رواه الترمذي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن كهمس بن الحسن عن عبدالله بن بريدة عن عائشة ورواه ابن ماجه عن طريق وكيع عن كهمس بن الحسن به. وقد صححه الترمذي رحمه الله وفيه نظر فإن عبدالله لم يسمع من عائشة قاله النسائي والدارقطني.
ورواه الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني في كتاب الدعاء والحاكم في المستدرك كلهم من طريق سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن عائشة به،
¥