تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

8 – معروف أن الحافظ الدارقطني أشهر من تتبع أحاديث الصحيحين و انتقد عليهما بعضا منها، في كتابه: " التتبع "، و انتقد على الشيخين قرابة مائتين و عشرة أحاديث (210)، اتفق البخاري و مسلم منها على مائة و عشرة أحاديث (110)، و انفرد البخاري منها باثنين و ثلاثين حديثا (32)، و انفرد مسلم منها بثمانية و سبعين حديثا (78).

و لا يعني هذا، أن هذه الأحاديث التي انتقدت على الصحيحين فقط، بل الدراقطني نفسه انتقد بعض الأحاديث في غير كتابه " التتبع "، و ذلك في جزء مفرد فيه الأحاديث المنتقدة على صحيح البخاري وحده، و في هذا الجزء أحاديث لا توجد في كتاب " التتبع ".

كذلك له في كتاب " العلل " أحاديث ينتقدها و يعلها و هي مخرجة في الصحيحين، و هي لا توجد لا في كتاب " التتبع " و لا الجزء المفرد الذي في علل أحاديث صحيح البخاري.

كذلك يوجد بعض الأئمة انتقدوا بعض الأحاديث التي توجد في الصحيحين، كالإمام أحمد، هناك بعض الأحاديث حكم عليها بالنكارة، و يخرجها البخاري – مثلا –، و أبو حاتم الرازي و أبو زرعة الرازي و البرديجي، هناك أحاديث يحكمون عليها بالنكارة، أو بترجيح الإرسال، أو بترجيح الوقف، أو غير ذلك من العلل، و هي مخرجة في الصحيحين أو في أحدهما.

ما موقفنا من هذه الانتقادات؟

الجواب: هذه الانتقادات التي توجه من هؤلاء الأئمة لهذه الأحاديث، لا يُسلَّم لهم في كثير من الأحاديث بهذه الانتقادات، لأن كثيرا منها يُعلّ بالتفرد، و التفرد باب واسع، هناك من يتشدد فيه من الأئمة كالإمام أحمد، و البرديجي، و أبو حاتم الرازي، فهؤلاء يعلون كثيرا بالتفرد، و صاحبا الصحيح لا يوافقونهم على ذلك، بل يرون أن الراوي ما دام ثقة فلا يضر تفرده، و لو كان مجرد التفرد يعلّ، لرددنا حديث " إنما الأعمال بالنيات ".

و قد يعل الحديث بالاختلاف بين الرواة، فالإمام ينظر إلى الحديث نظرةً تختلف عن نظرة الإمام الذي أعلَّ.

مثاله: حديث الزبير بن العوام، في قصته مع الأنصاري، حينما اختصما في شِرَاجٍ من شَرَجِ الحرة، و نصها: {عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك "، فقال الأنصاري: " أن كان ابن عمتك؟ "، فتلون وجهه، ثم قال: " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك " ..... } الحديثَِ.

1 - هذا الحديث هناك من يرويه عن عروة بن الزبير عن النبي صلى الله عليه و سلم، يعني: مرسلا.

2 - و منهم من يرويه عن عروة بن الزبير عن الزبير بن العوام.

و من أهل العلم من يرى أن عروة لم يسمع من أبيه، لأن أباه مات و هو صغير، و الدراقطني يرى هذا الرأي.

3 - و منهم من يرويه عن عروة عن أخيه عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه و سلم، و عبد الله بن الزبير صحابي، و إن كان صغيرا.

4 - و منهم من يرويه عن عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام، و هذه الصفة الاتصال فيها واضح و جلي.

و الدارقطني رجح رواية عروة عن أبيه – قال سعد الحميد: أو رجح رواية الإرسال " لا يذكر الشيخ سعد " -، لكن البخاري أخرج الحديث من هذه الطرق كلها، يعني: لم يكتم الخلاف، و البخاري لا يعتبر رواية عروة عن أبيه منقطعة، لأن عروة نفسه ذكر أن أباه جرح في أحد جرحا لمسه بيده، فكانت يد عروة تدخل في ذلك الجرح، و هذا يدل على أنه لقي أباه، بالإضافة إلى أن هذا الحديث فيه منقبة لأبيه الزبير، و مناقب أهل البيت يكون أدعى لحفظه، و هذا يدفع تلك الإعلالات، فهذه أمور متظافرة جعلت البخاري يصحح هذا الحديث.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير