[الإسعاف من إغاثة السقاف]
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[23 - 02 - 06, 03:31 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه ومن اهتدى بهداه
ثم أما بعد
فقد اطلعت على رسالة ((الإغاثة بأدلة الإستغاثة)) للمدعو حسن بن علي السقاف يجوز فيها الإستغاثة بالمقبورين ويستدل لذلك بأدلة ليس فيها شبه دليل على ما يزعم
فمن ذلك استدلاله بحديث ((ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام))
وفي لفظ ((ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام))
وهذا الحديث لا يصح الإستدلال به روايةً ودراية
أما من حيث الرواية فقد روى الحديث ابن عبد البر في الإستذكار ص185 من الجزء الأول: أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول قال: أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة قالت: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، صاحب الشافعي، قال: حدثنا بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام))
قلت وقد صحح سند هذا عبد الحق الإشبيلي في الأحكام ولكنه معلول
فقد قال الخطيب في تاريخ بغداد وأخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج - (قال عنه الذهبي ثقة عالماً فقيها)) بنيسابور -حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ((محدث عصره بلا منازعة)) حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا بشر بن بكير حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام".
قلت لا يخفى على الناظر اتفاق المخرج وهذا يستوجب الترجيح ورواية أبو العباس الأصم أرجح من رواية فاطمة بنت الريان التي لا تكاد تعرف ولم أظفر إلى الآن بترجمة لها ومع ذلك يزعم السقاف أنه لا يسأل عن مثلها!! وهذه إحدى جهالاته وتخليطاته الكثيرة
قال الحافظ ابن رجب: «قال عبد الحق الإشبيلي: إسناده صحيح. يشير إلى أن رواته كلهم ثقات، وهو كذلك، إلا أنه غريب، بل منكر».
ومع أن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم تعل الطريق الأخرى زعم السقاف أنها شاهد لها
وإذا كان المحدثون يردون زيادات الثقات في مواطن فيقولون ((الموقوف أشبه)) ((المرسل أشبه))
مع كون الرفع والوصل زيادة ثقة فالمخالفة الصريحة أولى بالترجيح
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم شديد الضعف لا ضعيف فقط كما زعم السقاف وإليك أقوال الأئمة النقاد فيه
وقال الدوري عن بن معين ليس حديثه بشيء
وقال البخاري وأبو حاتم ضعفه علي بن المديني جدا
وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث كان في نفسه صالحا وفي الحديث واهيا
وقال بن حبان كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك
وقال بن سعد كان كثير الحديث ضعيفا جدا
قال الساجي وهو منكر الحديث
وقال الطحاوي حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف
وقال الحاكم وأبو نعيم روى عن أبيه أحاديث موضوعة
قلت هذا يقتضي أن تكون روايته عن أبيه وهذه منها ضعيفة جداً بل موضوعة
ومن هذا تعلم أن قول ابن عدي الذي اعتمده السقاف ((له أحاديث حسان وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم وهو ممن يكتب حديثه))
فيه تساهل واضح واعتماد السقاف له إفراط في الإنتقائية
وأما من ناحية الدراية فالحديث ليس فيه شبه دليل على الإستغاثة بغير فيما لا يقدر عليه إلا الله وبيان ذلك من وجوه
الأول أن الحديث خاص برد السلام فقط فأين الإستغاثة بل حتى التوسل بدعاء الميت لا يدل عليه هذا الحديث وذلك أن أعمال الميت الأصل فيها الإنقطاع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) فمن زعم أن الميت يغيث الأحياء أو يدعو لهم فهو مطالب بالدليل الذي يطلق التقييد الموجود في الحديث السابق فإن احتج محتج بحديث عرض الأعمال
قلنا أن حديث عرض لا يصح وإن صح فإن فيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعرض عليه الأعمال ليستغفر للمسيء ويثني على المحسن فأين قضاء الحوائج وغجابة الإستغاثات من هذا!!!
ثم إن حديث عرض الأعمال فيه تخصيص للإستغفار من عموم الدعاء فمن أراد إدخال الدعاء فهو مطالب بالدليل وحديث عرض الأعمال خاص بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ومن هذا نعلم أن حديث عرض الأعمال لا حجة على الإسغاثة ولا حتى على التوسل
الوجه الثاني أن الحديث خاص فيمن يعرفه المؤمن في الدنيا وهذا يخرج من كان لا يعرفه
الوجه الثالث على فرض أننا سلمنا بسماع الأموات فإننا لا نثبت لهم سمع خارق كالذي يثبته لهم القبورية فتجد القبوري يستغيث بالولي ةقبر الولي على بعد أميال أو كيلو مترات ولا يوجد دليل أو شبه دليل يثبت للميت هذا السماع الخارق للعادة بل هو تشبيه صريح لسماع المقبورين بوجه من أوجه كمال صفة السمع لرب العامين وهي أنه تعالى يسمع من يناجيه من أي مكان
فإن احتج محتج بحديث ((إن لله ملائكة سياحين ........ )) الحديث
قلنا الحديث خاص بنقل السلام فأين الإستغاثات والتوسلات
ثم إنه خاص بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فما دخل علي والحسين رضي الله عنهما والجيلاني والبدوي والرفاعي؟!!
الوجه الرابع أنه ليس في الحديث دليل على الإستغاثة بغير فيما لا يقدر عليه إلا الله والإستغاثة دعاء والدعاء عبادة فإفراده نعالى بالإستغاثة وإليك البرهان الجلي
قال تعالى ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))
فانظر رحمني الله وإياك كيف سمى الله إستغاثتهم دعاء وسمى إفراده بالإستغاثة إخلاص وسمى إستغاثة المشركين بأصنامهم إذا نجوا إلى البر شركاً
¥