تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله (حدثنا مسدد حدثنا معتمر) فساق الإسناد، ثم قال: (وحدثني مسدد، قال: حدثنا معتمر) فساقه بإسناد آخر لمسدد، وساق المتن على لفظ الرواية الثانية، وكأن النكتة في كونه لم يجمع الإسنادين معا - مع أنهما لم يتغايرا إلا في شيخ معتمر- أن مسددا حدثه به مرة ومعه غيره عن معتمر عن إسحاق، وحدثه به مرة أخرى، إما وهو وحده وإما بقراءته عليه عن معتمر عن خالد. ولمسدد فيه شيخ آخر؛ أخرجه أبو داود عنه عن يزيد بن زريع عن خالد وهو محفوظ عن خالد الحذاء من طرق.

وأما قول قاسم في الدلائل: (سمعت موسى بن هارون يحدث بهذا الحديث عن العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع مرفوعا، قال موسى: وأنا أهاب رفعه) فإن لم يحمل على أن يزيد بن زريع كان ربما وقفه، وإلا فليس لمهابة رفعه معنى.

وأما لفظ إسحاق العدوي، فأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ (لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة). وأشار الاسماعيلي أيضا إلى أن هذا اللفظ لإسحاق العدوي، لكن أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن محمد بن يحيى عن مسدد بلفظ (شهرا عيد لا ينقصان) كما هو لفظ الترجمة. وكأن هذا هو السر في اقتصار البخاري على سياق المتن على لفظ خالد دون إسحاق لكونه لم يختلف في سياقه عليه.

وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فمنهم من حمله على ظاهره فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدا إلا ثلاثين. وهذا قول مردود معاند للموجود المشاهد. ويكفى في رده قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) فإنه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا.

ومنهم من تأول له معنى لائقا. قال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا ينقصان في الفضيلة؛ إن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين، انتهى.

وقيل لا ينقصان معا، إن جاء أحدهما تسعا وعشرين جاء الآخر ثلاثين، ولا بد.

وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما. وهذان القولان مشهوران عن السلف. وقد ثبتا منقولين في أكثر الروايات في البخاري، وسقط ذلك في رواية أبي ذر وفي رواية النسفي وغيره عقب الترجمة قبل سياق الحديث. قال إسحاق: وإن كان ناقصا فهو تمام. وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقص. وإسحاق هذا هو ابن راهويه ومحمد هو البخاري المصنف.

ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل؛ وكأن البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها أو توارد عليها.

قال الترمذي: قال أحمد: معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة، انتهى. ثم وجدت في نسخة الصغاني ما نصه عقب الحديث: قال أبو عبد الله: قال إسحاق: تسعة وعشرون يوما تام.

وقال أحمد بن حنبل: إن نقص رمضان تم ذو الحجة، وإن نقص ذو الحجة تم رمضان.

وقال إسحاق: معناه وإن كان تسعا وعشرين فهو تمام غير نقصان.

قال: وعلى مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معا في سنة واحدة.

وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح أن إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين؛ فإذا كان تسعا وعشرين ترونه نقصانا وليس ذلك بنقصان.

ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد بن عمرو البزار فأوهمَ مُغلطاي أنه مراد الترمذي بقوله: وقال أحمد، وليس كذلك. وإنما ذكره قاسم في الدلائل عن البزار فقال: سمعت البزار يقول: معناه لا ينقصان جميعا في سنة واحدة. قال: ويدل عليه رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب مرفوعا (شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوما). وادعى مغلطاي أيضا أن المراد بإسحاق إسحاق بن سويد العدوي راوي الحديث ولم يأت على ذلك بحجة.

وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين، أحدهما: ما قاله إسحاق، والآخر: أن المراد أنهما في الفضل سواء، لقوله في الحديث الآخر: (ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة).

وذكر القرطبي أن فيه خمسة أقوال، فذكر نحو ما تقدم وزاد: أن معناه لا ينقصان في عام بعينه، وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة. وهذا حكاه ابن بزيزة، ومن قبله أبو الوليد ابن رشد، ونقله المحب الطبري عن أبي بكر بن فورك.

وقيل المعنى: لا ينقصان في الأحكام. وبهذا جزم البيهقي، وقبله الطحاوي، فقال: معنى لا ينقصان أن الأحكام فيهما وإن كانا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير