تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي هذه الفترة الخصيبة، من القرن الرابع والقرن الخامس، التي كثر فيها التأليف في علم القراءات، وشاع في الأمصار، ولا سيما في العراق، نشأ الإمام أبو محمد العُمَاني، وألّف "الكتاب الأوسط في علم القراءات" سنة 413 هـ، كما ذكر هو نفسه في الصفحة 13 من الكتاب ([51]).

الإمام أبو محمد العماني

هو أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المقرئ العماني، كما قال هو نفسه في أول الكتاب.

ولا نعرف شيئاً كثيراً عن حياة هذا الإمام العالم، إذ لم تذكر المصادر القديمة عنه إلا نزراً قليلاً من الأخبار، وهي لا تكفي لرسم معالم واضحة في مسيرة حياته، وبيان نشأته، وتكوين ثقافته.

وأول من ذكره هو عَلَم الدين علي بن محمد السَّخَاوي المتوفى سنة 643 هـ، في كتابه "جمال القراء وكمال الإقراء" في فصل:» القول في "بَلَى" «. وقد نقل كلامه في هذه المسألة من مسائل الوقف والابتداء في قراءة آيات القرآن. قال السخاوي:

وقال أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المعروف بالعُماني، في قوله عزّ وجلّ {بَلَى، مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} ([52]) ونحوه: يُبْتَدأ بـ» بَلَى «، وهو جواب لقولهم:» لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً «([53]). فقيل لهم: بَلَى، تدخلونها وتخلدون فيها. وقال في قوله عزّ وجلّ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أوْ نَصَارى، تلك أَمَانِيُهُمْ، قُلْ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلَى ... } ([54]): لم يُجِزْ أحدٌ منهم الوقفَ على» بَلَى «، لأن ما بعده في جملة الجواب ([55]).

ثم أورد السخاوي رأي الإمام العماني القاطع في هذه المسألة:

قال: والوقف على» بَلَى «في الآيتين غلط. ومَنْ أجازه فقد أخطأ، لأن» بَلَى «وإن كان جواباً للجَحْد الذي قبله فهو إيجاب لما بعده، فلا يُفْصَل بينه وبين الشيء الذي يُوجِبه ([56]).

وترجم له ترجمة موجزة شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجَزَري المتوفى سنة 833 هـ، في كتابه الكبير "غاية النهاية في طبقات القراء"، فذكر اسمه:» الحسن بن علي بن سعيد أبو محمد العُماني «([57])، وأثنى عليه بقوله:» إمام فاضل محقق «([58]).

ثم أشار إلى كتابين له في الوقف والابتداء في قراءة القرآن، ودلّ على إجادته وإحسانه وإفادته. قال:

له في الوقوف كتابان: أحدهما "المغني" والآخر "الْمُرْشِد"، وهو أتَمُّ منه وأبسط ([59]). أحسن فيه وأفاد. وقد قسم الوقف فيه إلى التام، ثم الحَسَن، ثم الكافي، ثم الصالح، ثم المفهوم، وزعم أنه تبع أبا حاتم السِّجْسْتاني ([60]).

ثم قال في رحلته إلى مصر:» وقد كان نزل مصر بُعَيْدَ الخمسمائة «([61]). ونحن نشك كثيراً في صحة تاريخ نزوله مصر، ونظنه غلطاً، إلا أن يكون قد عَمَّرَه الله عمراً طويلاً في حياته، جاوز فيه المئة السنة بسنوات عديدة.

وقد قال الإمام العماني نفسه إنه قرأ القرآن بحرف أبي عمرو بن العلاء على الشيخ أبي عبد الله اللاّلَكائي، إمام جامع البصرة ومقرئ أهلها، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمئة (392 هـ) ([62])، وذكر إسناد قراءة هذا الإمام عن النبي صلى الله عليه و سلم.

ونعلم من هذه القولة الصريحة أنه كان رجلاً شاباً في أواخر القرن الرابع، قد رحل من موطنه عُمَان إلى مدينة البصرة، في سبيل الاستزادة من العلم هناك، ولأخذ القراءات من أئمة المقرئين فيها. وكانت البصرة حينذاك من أكبر مراكز العلم في العالم الإسلامي. ولا ندري، هل عاش طويلاً بعد هذا التاريخ، طوال القرن الخامس، حتى أدرك القرن السادس، ونزل مصر في أوائله وهو طاعن في السن، قد جاوز المئة بسنوات كثيرة من عمره؟ إننا لا نملك جواباً على هذا التساؤل. والله تعالى أعلم.

® ® ®

وتابع الإمام العماني رحلته في طلب العلم، فمضى إلى الأهواز، ولقي هناك شيخه وأستاذه الأكبر أبا الحسن الكُرَيْزِي في تاريخ لم يذكره، فأخذ عنه القراءات التي ضمّنها كتابه. قال في بيان ذلك:

ثم لم أزل أقرأ على الشيوخ، حتى دخلت الأهواز، فظفرت بأبي الحسن محمد بن محمد الكريزي البصري، رحمه الله. فعلّقت عنه هذه القراءات بوجوهها ورواياتها وطُرُقِها، في ثلاثمئة وخمسين ورقة ([63]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير