هذا كتاب شرعت في وضعه وتصنيفه لشيخنا أبي الحسن علي بن زيد بن طلحة، أيده الله وأبقاه، وأحيا بأيامه رسوم العلم، وأنار بدوام عزّه سبل الأدب، لأني وجدته مصروف العناية إلى كتاب الله تعالى، كثير الاهتمام به وبذويه، شديد البحث عنه وعن علومه، متبرّكاً بالمواظبة على دراسته، آخذاً نفسَه بالمداومة على تلاوته. فرغبته ورغبة أصحابنا القراء بسجستان، ومسألتُهم إيّانا، نشطتْنا في وضع كتابنا هذا ([71]).
® ® ®
يحتوي هذا الكتاب على القراءات الثماني عن الأئمة الثمانية الذين روى الإمام العُماني قراءاتهم، منهم أولئك الأئمة القراء السبعة الذين اختارهم قبله أبو بكر ابن مجاهد في "كتاب السبعة"، وهم:
1 - عبد الله بن كَثِير، إمام أهل مكة وقارئهم؛
2 - نافع بن عبد الرحمن، إمام دار الهجرة، مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم؛
3 - أبو عمرو بن العلاء، إمام أهل البصرة؛
4 - عبد الله بن عامر، إمام أهل الشام؛
5 - عاصم بن أبي النَّجود، من أئمة أهل الكوفة؛
6 - وحمزة بن حبيب، من أئمة أهل الكوفة؛
7 - علي بن حمزة الكسائي، من أئمة أهل الكوفة.
وقد ذكرنا أسماء هؤلاء الأئمة وأنسابهم ووفياتهم سابقاً. والإمام الثامن الذي روى قراءته، واختاره إلى جانبهم هو:
8 - أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحَضْرَمِي، إمام أهل البصرة ومقرئهم في زمنه. توفي سنة 205 هـ.
وقد أشار إلى اختياره قراءة القراء الثمانية بقوله في مقدمة الكتاب:
فأوردت فيه ما أورده المتقدمون في كتبهم من قراءة القراء الثمانية، أئمة أهل الأمصار، من الحجاز والشام والعراق، مستوعباً أكثر رواياتها، مبيّناً ما اشتهر منها، منبّهاً على ما شذّ عنها، مميّزاً بين المستعمل والمرفوض ([72]).
ثم أورد أسانيد هؤلاء القراء الثمانية، وأسماء الرواة عنهم، وطرق رواياتهم، في تفصيل وفضل بيان، في باب خاص من الكتاب بعد المقدمة مباشرة.
ثم جعل بعد هذا الباب فصلاً خاصاً ذكر فيه قراءته هذه القراءات على جماعة مختلفين من القراء، منهم أبو عبد الله اللاَّلَكائي إمام جامع البصرة ومقرئ أهلها، الذي قرأ عليه سنة 392 هـ بحرف أبي عمرو بن العلاء، وعرض هذه القراءة بعينها مرات كثيرة على أبي الحسن ابن بندويه.
وزاد فذكر دخوله الأهواز، وظفرَه هناك بشيخه وأستاذه الأكبر أبي الحسن الكُرَيْزِي، وتعليقَه هذه القراءات عنه بوجوهها ورواياتها وطرقها، ومنالَه إجازتَه برواياتها عنه وإقرائها. ثم ساق في تفصيل دقيق جميع هذه الروايات والطرق ووَالَى إيراد سائر أبواب الكتاب وفصوله، مثل» باب في الحروف ومدارجها وألقابها ومخارجها «، ومثل» أبواب الإدغام «و» أبواب الهمزة «، ومثل» فصل في القرآن واشتقاقه «، وغيرها من أصول علم القراءات وسُنَن اللغة العربية وقواعدها، إلى آخر محتوى الكتاب الغني بالعلم والفوائد والفرائد في علم القراءات وعلوم العربية.
® ® ®
وقد اضطلعنا بتحقيق هذا الكتاب النادر النفيس تحقيقاً علمياً، حسب منهج علمي دقيق قويم، اتبعناه في كل أعمالنا في إحياء ذخائر التراث العربي الإسلامي، بأمانة علمية خالصة، والتزام بالصدق الذي يبين الحق والحقيقة.
واعتمدنا في تحقيقه على نسخته المخطوطة الوحيدة الفريدة، المحفوظة في الخزانة الحسنية المباركة، الكائنة في رحاب القصر الملكي العامر بالرباط برقم (9867)، وهي الخزانة الغنية التي تزخر وتفخر بالنفائس والنوادر من ذخائر التراث العربي الإسلامي المخطوطة.
وهذه النسخة من الكتاب قديمة قيمة، مكتوبة بخط نسخ مشرقي جميل، واضح الحروف، مضبوط بالشكل، نقدر أنه من خطوط القرن السادس من الهجرة في العهد السلجوقي. وقد أصاب البِلى المخطوطة من القِدَم، فتفككت وتبعثرت أوراقها، واختلط بعضها ببعض، فاختلّ ترتيبها، وتقدم بعضها عن موضعه وتأخر بعضها، ثم جمعت هذه الأوراق المبعثرة، وجلّدت مرة ثانية على اختلالها، من غير ترتيب، إذ لم يكن فيها علامات» التعقيبة «التي كانت تقوم مقام الترقيم العددي في أوراق المخطوطات العربية القديمة. ومن نِعَم الله تعالى وتوفيقه أنه لم ينقص من الأوراق شيء.
¥