"ثقة".
أما عبد الله بن المبارك فقد قال فيه الحافظ:
"ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد". و لما ترجم له المزي في "التهذيب" قال: "أحد الأئمة الأعلام و حفاظ الإسلام" معنونا بها لما جاء في ترجمته الطويلة، و التي ختمها بقول ابن سعد فيه: "و كان ثقة مأمونا إماما حجة كثير الحديث".
فكيف تعل زيادة هذا "الثقة الثبت الإمام الحجة" و يسلك بها سبيل المخالفة و ترمى بالشذوذ؟
و لو لم يكن ابن المبارك بهذه المكانة، لكان مثل من ذكر –غير هؤلاء-أمثال يحيى بن سعيد القطان و أقرانه من أهل التثبت و الثقة و الحفظ، فقد قدمنا لك أقوال أهل العلم في قبول زيادة الثقة على أقرانه، لاسيما قول ابن الصلاح الواضح ووصف الحافظ له بالوسطية فارجع إليه.
ثم إنه قد تابعه وكيع عن سفيان به.
هكذا رواه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي بكر بن أبي شيبة و عثمان –مقرونين معا-، و من طريق سالم بن جنادة عنه بذكر زيادة ?و كل ضلالة في النار?، ثم أحال على رواية مسلم فقال: "ورواه مسلم عن أبي بكر عن وكيع".
أما ما ادعاه الشيخ عمرو من أن مسلما قد "تحاشا" هذه اللفظة، إنما استنبطه من صنيع مسلم حيث أخرج الحديث في "صحيحه" من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) عن جعفر به بدون الزيادة المذكورة، ثم ذكر طريق وكيع عن سفيان عن جعفر و لم يسق لفظه بتمامه و إنما قال: "ثم ساق الحديث بمثل حديث الثقفي ".
و ليس في هذا ما يدل على أن مسلما "تحاشا" تلك اللفظة .. و لو ادعى مدع أنه إنما فعل ذلك ليبين اختلاف لفظ وكيع عن لفظ الثقفي تقديما و تأخيرا، و في بعض الألفاظ كذلك، لما حاد عن الجادة؛ لأنه أتى في الطريق الثانية بما يبين هذا الإختلاف من تقديم بعض جمل الحديث على غير سياق الطريق الأولى مكتفيا بذلك القدر، و لم يتطرق لذكر "اللفظة" التي نحن بصدد بيان صحتها؛ وجريا على طريقة الشيخ عمرو فإن صنيع أبا نعيم في "المستخرج" ينبيء بأن هذا-أي بذكر الزيادة- هو لفظ وكيع عن سفيان الذي اقتصر مسلم على بعضه و أن الإختلاف فيه مع لفظ الثقفي هو ما ذكرنا لأنه ساقه بتمامه بهذه الزيادة من نفس طريق مسلم و أشار إلى ذلك كما سبق.
و لنسلم مع الشيخ عمرو أن مسلما "تحاشا" هذه الزيادة .. فهل هذا كاف في الطعن في صحتها؟ كلا .. لأن هذا المسلك لم يذكر في كتب المصطلح كعلة قادحة بل لقد أنكروا على من ادعى أنه لم يفت "الصحيحين" إلا القليل؛ و لولا ذلك لما ألفت المستخرجات على الصحيحين، وإن " مستدرك" الحاكم لخير دليل على ذلك رغم ماانتقد من أحاديثه. قال ابن كثيرفي "المختصر" (1/ 109 - مع الباعث):
"وقد خرجت كتب كثيرة على "الصحيحين" قد يوجد فيها زيادات مفيدة،و أسانيد جيدة كـ: .... و أبي نعيم .. " (يعني مستخرجه)
ثم أضاف الشيخ أن "مقتضى صنيع مسلم أن يكون هو لفظ وكيع عن الثوري عن جعفر"، أي موافقا للفظ حديث الثقفي؛ و هذا من أعجب ما رأيت له-رحمه الله- و أبعده عن التحقيق، لأن لفظ وكيع مخالف للفظ الثقفي تقديما و تأخيرا لبعض الجمل و في بعض الألفاظ كما سبق، وهو من الأسباب التي دعت مسلما لإيراده، فكيف يكون هو لفظ وكيع .. ؟
ثم ذكر ما ورد في "مجموع الفتاوى" (19/ 191) من كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا الحديث، حيث أورده برواية مسلم، ثم قال: "و لم يقل كل ضلالة في النار"، و أخذ في تعليل ذلك بأنه: "يضل عن الحق من قصد الحق و قد اجتهد في طلبه فعجز عنه فلا يعاتب" إلى أن قال: "و كثير من مجتهدي السلف و الخلف قد قالوا و فعلوا ما هو بدعة و لم لم يعلموا أنه بدعة"؛ فهذا مع أنه رد للزيادة المذكورة من حيث المعنى فقط، فقد ورد عنه عكسه تماما، من تصحيح لها و إستدلال بها و تفسيرها و توجيه معناها بما يليق به؛ فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص229) بعدما ذكر حديث جابر برواية مسلم:"و في رواية للنسائي:و كل ضلالة في النار"، ثم بين أن:"هذه قاعدة قد دلت عليها السنة و الإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضا" إلى أن قال (ص232):" أما القول إن شر الأمور المحدثات (كذا؟) و إن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار، و التحذير من الأمور المحذثات، فهذا نص رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع، و من نازع في دلالته فهو مراغم".
¥