ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[04 - 10 - 09, 08:48 م]ـ
بيان غلط ابن حجر في نفي تفرّد فاطمة
انفردت رضي الله عنها دوناً عن سائر الصحابة بهذه القصة، فأين الذين سمعوا من رسول الله هذه الخطبة العجيبة! وقد غلط الحافظ ابن حجر عندما دفع ذلك بقوله: ((وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد، وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة، وعائشة، وجابر)). اهـ
قلتُ:
(1) عفا الله عنك، وأين هي متابعة أبي هريرة؟ لم يُشَر إليها إلاَّ في روايتي مجالد والشيباني: ((قال عامر: فلقيت المحرر بن أبى هريرة، فحدثته حديث فاطمة بنت قيس فقال: أشهد على أبى أنه حدثني كما حدثتك فاطمة. غير أنه قال: قال رسول الله r: إنه نحو المشرق)). ولا تصح لضعف سند الروايتين كما مرّ، ولعدم الاحتجاج بالمحرر، ولعدم ثبوت الحديث عن أبي هريرة.
(2) وأما القول بمتابعة عائشة فوهم، ففي رواية مجالد عند ابن راهويه: ((قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَقِيتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ حَرَامٌ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ")) وإنما هذا حديث آخر. على أنه اختُلف في الراوي عن عائشة، ففي رواية ابن فضيل عن الشيباني: ((فلقيتُ عبد الله بن أبي بكر فحدثته، فقال: هل زادتك فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: صدقت. أشهد على عائشة أنها حدثتني، ولكنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وبالمدينة ما فيها")). وهذا و هم شنيع من ابن فضيل، فعبد الله بن أبي بكر مات في أول خلافة أبيه، وعامر وُلد في خلافة عمر، ولقي فاطمة في خلافة معاوية! وأما في رواية أسباط عن الشيباني: ((فلقيت عبد الرحمن بن أبي بكر فحدثته، فقال: هل زاد فيه شيئاً؟ قلت: لا. قال: صدق. أشهد على عائشة رضي الله عنها أن عائشة حدثتني بهذا، غير أنها زادت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومكة مثلها")). وليس للشعبي لقاء بعبد الرحمن بن أبي بكر بله سماع. والقصة لا تُعرف عن عائشة، فكيف تكون متابعة لفاطمة بنت قيس!
(3) وأما حديث جابر فمعلول، وهم فيه ابن فضيل فأسنده عن الوليد بن جميع عن أبي سلمة عن جابر، والمحفوظ عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس. فكيف تكون هذه الرواية المعلولة متابعة لحديث فاطمة!
فظهر أن قوله رحمه الله: ((وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد، وليس كذلك)) ليس كذلك. وقد قلّده مَن جاء بعده ولم يتعقبوه.
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[04 - 10 - 09, 08:52 م]ـ
ما وهمت فيه فاطمة بنت قيس
أولاً: تميم وفد قبل طلاقها لا بعده:
مما وهمت فيه رضوان الله عليها قولها إن تميماً وفد على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد انقضاء عدتها. وهذا ليس صحيحاً، وإليك البيان:
(1) وفد تميم الداري على النبي r في العام التاسع للهجرة وهو عام الوفود.
وهذا ثابت عند أصحاب السير والتواريخ، كابن كثير والذهبي وابن حجر وابن عبد البر وغيرهم.
(2) فاطمة طلّقها زوجها الطلقة الثالثة في خروجه إلى اليمن مع علي بن أبي طالب.
لما أخرجه مسلم (1480) وغيره من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ((أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها)).
(3) خروج عليّ إلى اليمن كان في العام العاشر للهجرة قبل حجة الوداع.
قال ابن كثير في تاريخه: ((سنة عشر من الهجرة: باب بعث رسول الله r خالد بن الوليد)) ثم ساق فيه أحاديث البخاري في إرسال علي إلى اليمن. فقد قال البخاري رحمه الله في صحيحه، باب: بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع، من حديث البراء رضي الله عنه (4092): ((بعثنا رسول الله r مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه)). ومن حديث أنس رضي الله عنه (4096): ((فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجاً)).
فاتضح أنها رضي الله عنها وهمت في حديثها: لأنه كيف يطلقها زوجها قبل حجة الوداع بشهور، ثم تقول إن تميماً وفد على النبي r بعد انقضاء عدتها، وهو رضي الله عنه إنما وفد على النبي قبل هذا الزمن بأكثر من عام!
ثانياً: فاطمة مُنعت النفقة لا السُكنى:
مما وهمت فيه أيضاً رضي الله عنها أنها ظنّت ترخيص النبي r لها في الاعتداد في غير بيتها أن المبتوتة لا سُكنى لها أيضاً بعد أن علمت أنه لا نفقة لها. وأصلُ ذلك أنها استحقرت النفقة التي بعث بها زوجها، فلمّا سألت النبيَّ r في ذلك قال لها: ((لا نفقة لك)). ثم إنها استأذنته في ألاَّ تعتدّ في بيتها، فرخَّص لها أن تعتد في بيت عبد الله بن أم مكتوم. فكانت رضي الله عنها تُفتي بأن النبي r قال لها: ((لا سكنى ولا نفقة)).
ولذلك خطأتها عائشة أم المؤمنين في هذا، وقالت فيما أخرجه البخاري (5016): ((ما لفاطمة، ألا تتقي الله!)) يعني في قولها: ((لا سكنى ولا نفقة)). وقالت: ((إن فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص النبي صلى الله عليه وسلم)). وعلى هذا يُفهَم اعتراض عمر بن الخطاب رضي الله عنه على فاطمة بنت قيس في ذلك، عندما قال: ((لا ندع كتاب ربنا إلى قول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت!)). فانظر إلى صنيع أهل المدينة تجدهم على أن للمبتوتة السُكنى لا النفقة رغم قول فاطمة، وإلى هذا ذهب إمام دار الهجرة مالك والشافعي وغيرهما.
¥