قلت: ويدل عليه [قوله عليه السلام في حديث ثوبان حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا] وذلك أن حتى غاية فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض وسبي بعضهم لبعض وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلاد المسلمين حتى لم يبق من الإسلام إلا قلة فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه) 5/ 396
• توجيه القرآن لمن وقع في المعاصي:
1 - الترهيب من المعصية والعقاب المترتب عليها, ومخاطبة المشتغلين بها لعلهم أن يحدثوا توبةً تمنع عنهم عاقبة السوء التي باء بها من سلف.
ومنه قول الله تعالى (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذابمن حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين ({فإن ربكم لرؤوف رحيم} أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة كما ثبت في الصحيحين [لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم]).
وقوله تعالى (أءمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير) وقوله (أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) قال القرطبي رحمه الله تعالى: والتقدير: ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه وعن الزهري: إن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} ثم يبكي ويقول:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ... ولا أنت في النوام ناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى ... كما سر باللذات في النوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب عند قول الله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض): ولولا دفع الله الناس يدفع بمن اطاعه عمن عصاه كما دفع عن المتخلفين عن طالوت بمن اطاعه لهلك العصاة بسرعة العقوبه.
2 - مسلك الترغيب في الإقلاع وفتح أبواب التوبة واستقامة الحال.
وهذا المسلك لمخاطبة المتسخين بأدران الذنوب المخالطين لها الذين ربما دبَّ اليأس والقنوط في نفس أحدهم حتى يسول له الشيطان عدم قبول توبته عند الله تعالى, وهذه من مصائد ومكائد الشيطان التي يعمر بها القلوب ليحول بينها وبين التضرع والرجوع إلى الله وأوْلى آيات القرآن بالذكر في هذا الموضوع هي أرجى آيات القرآن كما حكاه غير واحد من أئمة السلف وهي قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وقال عنها علي بن أبي طالب: ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية, كما حكاه القرطبي, وهذه الآية لا تستثني أحداً من الخليقة فالكل عبيد لله ولاتستثني ذنباً ولا معصية فكل ما خرج بالعبد عن جادة الطاعة والامتثال فهو إسراف على النفس وتحميل لها لما لا تطيقه من الأوزار, وإن كان يختلف الجرم باختلاف الخطيئة, والعجيب في هذه الآية تودد الله لعباده العاصين وتحببهم إليه بإضافتهم إلى نفسه رغم إسرافهم على أنفسهم وتحميلهم لها ما لا تطيقه من الأوزار, وهذا أبلغ ما يكون التودد والترغيب في التوبة والإقلاع عن زواجر الله ومناهيه.
(وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب) هذه الجملة من الآية متضمنة معنى الدعوة إلى التوبة ومتضمنة الإرشاد إلى عدم القنوط من رحمة الله تعالى مهما جنى العبد واقترف, ومتضمنة خطورة الملازمة والبقاء على حال المعصية لئلا تحل بصاحبها العقوبة من الله سواءاً كانت حسيةً أو معنويةً بأن يبلغ مبلغاً من الجحود يحجبه الله به عن التوبة إليه.
وقوله (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) قال الحافظ ابن كثير (أي كل من تاب إلي تبت عليه من أي ذنب كان ,حتى أنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل)
¥