قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (وَمَعْنَى الْقَسَمِ بِهَذِهِ الأَشْيَاءِ إِبَانَةُ شَرَفِهَا وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ بِسُكْنَى الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَمَنْبَتُ التَّينِ وَالزَّيْتُونِ مُهَاجَرُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمَوْلِدُ عِيسَى وَمُنْشَؤُهُ، وَالطُّورُ الْمَكَانُ الَّذِي نُودِيَ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمَكَّةُ مَكَانُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثُهُ وَمَكَانُ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ هُدًى لِلْعَالَمِينَ). [النهر الماد: 1281 - 1282]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزَّرْعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقدْ قالَ جَماعةٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ: إنَّهُ سُبحانَهُ أَقْسَمَ بهذَيْنِ النوعَيْنِ مِن الثِّمارِ لِمَكانِ الْعِزَّةِ فيهما؛ فإنَّ التِّينَ فاكهةٌ مُخَلَّصَةٌ مِنْ شِوَاءِ التَّنْغِيصِ لا عَجَمَ لهُ، وهوَ على مِقدارِ اللُّقْمَةِ، وهوَ فاكهةٌ وقُوتٌ وغِذاءٌ وأَدَمٌ، ويَدْخُلُ في الأدوِيَةِ، ومِزَاجُهُ مِنْ أَعْدَلِ الأَمْزِجَةِ، وطَبْعُهُ طَبْعُ الحياةِ: الحرارةُ والرُّطوبةُ، وشَكْلُهُ مِنْ أَحْسَنِ الأشكالِ، ويَدخُلُ أَكْلُهُ والنظَرُ إليهِ في بابِ الْمُفْرِحَاتِ، ولهُ لَذَّةٌ يَمتازُ بها عنْ سائِرِ الفواكِهِ، ويَزيدُ في الْقُوَّةِ، ويُوافِقُ الْبَاءَةَ، ويَنْفَعُ مِن البَواسِيرِ والنِّقْرِسِ، ويُؤْكَلُ رَطْبًا ويَابِسًا.
وأمَّا الزيتونُ، ففيهِ من الآياتِ ما هوَ ظاهِرٌ لِمَن اعْتَبَرَ؛ فإنَّ عُودَهُ يُخْرِجُ ثَمَرًا يُعْصَرُ منهُ هذا الدُّهْنُ الذي هوَ مادَّةُ النَّوْرِ، وصِبغٌ للآكِلِينَ، وطِيبٌ ودَواءٌ، وفيهِ مِنْ مَصالِحِ الْخَلْقِ ما لا يَخْفَى، وشَجَرُهُ باقٍ على مَرِّ السنينَ الْمُتطاوِلَةِ، ووَرَقُهُ لا يَسْقُطُ. وهذا الذي قالُوهُ حَقٌّ.
ولا يُنافِي أنْ يكونَ مَنْبِتُهُ مُرادًا؛ فإنَّ مَنْبِتَ هاتَيْنِ الشجرتَيْنِ حَقيقٌ بأنْ يكونَ مِنْ جُملةِ البِقاعِ الفاضلةِ الشريفةِ، فيكونُ الإقسامُ قدْ تَناوَلَ الشجرتَيْنِ ومَنْبِتَهما، وهوَ مَظْهَرُ عبدِ اللَّهِ ورسولِهِ وكَلِمَتِهِ ورُوحِهِ عيسى ابنِ مَرْيَمَ). [التبيان: 28]
قَالَ الحُسَينُ بنُ سُلَيْمَانَ بْنِ رَيَّانَ (ت: 770هـ): (سُؤَالٌ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} هما ليسا منَ الأمورِ الشريفةِ, فكيفَ يَلِيقُ أن يُقْسِمَ اللَّهُ بهما؟
جَوَابٌ: من ثلاثَةِ وجوهٍ:
الأولُ: فيه حذفُ مضافٍ تقديرُهُ: وَرَبِّ التِّينِ والزَّيْتُونِ.
الثَّانِي: المرادُ بهما هاتانِ الثمرتَانِ المعروفَتَانِ, وهما عجيبَانِ من بيْنِ أصنَافِ الأشجارِ المثمرةِ, أُهْدِيَ إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ طَبَقٌ من تِينٍ، فأكَلَ منْهُ، وقالَ لأصحابِهِ: ((كُلُوا، فَلَوْ قُلْتُ: إِنَّ فَاكِهَةً نَزَلَتْ مِنَ الْجَنَّةِ، لَقُلْتُ هَذِهِ؛ لأَنَّ فَاكِهَةَ الْجَنَّةِ بِلاَ عَجَمٍ، فَكُلُوهَا فَإِنَّهَا تَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وَتَنْفَعُ مِنَ النِّقْرِسِ)) , وقالَ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((نِعْمَ السِّوَاكُ الزَّيْتُونُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ تُطَيِّبُ الْفَمَ وَتذهبُ بِالْحفرةِ)).
[الروض الريان: 3/ 602]
الثالثُ: هما جَبَلانِ من الأرضِ المُقَدَّسَةِ, طُورُ سِينَاءَ وطُورُ زِيتَا، أُرْسِلَ منهما عيسَى ابنُ مريَمَ عليه السلامُ وأنبياءُ بَنِي إسرائيلَ, وطُورُ سِيناءَ هو الجبلُ الذِي كلَّمَ اللَّهُ عليه مُوسَى عليه السلامُ, والْبَلَدُ الأمينُ فهو مَكَّةُ شرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى, فعلَى هذا القولِ يَكونُ البارِي تعالَى قد أقْسَمَ بمنابِتِ الأنبياءِ, فالجبلُ المُخْتَصُّ بالتِّينِ لعِيسَى عليه السلامُ, والزيتُونُ الشامُ مَبْعَثُ أكثرِ أنبياءِ بنِي إسرائِيلَ, والطُّورُ مَبْعثُ مُوسى عليه السلامُ, والبلَدُ الأمينُ مَبْعثُ محمدٍ الأمينِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ). [الروض الريان: 3/ 604] (م)
¥