قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخََازِنُ (ت: 725هـ): (قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قالَ ابنُ عبَّاسٍ: هوَ تِينُكُم الذي تأكلُونَ، وزَيْتُونُكُم الذي تعْصِرُونَ منهُ الزَّيْتَ. قيلَ: إنَّما خَصَّ التينَ بالقَسَمِ لأنَّهُ فاكهةٌ مُخلَّصَةٌ منْ شوائبِ التَّنْغِيصِ، وفيهِ غِذاءٌ، ويُشبِهُ فوَاكِهَ الجنَّةِ لِكَوْنِهِ بلا عَجَمٍ. ومنْ خَوَاصِّهِ أنَّهُ طَعَامٌ لَطيفٌ، سريعُ الهضمِ، لا يَمْكُثُ في المَعِدَةِ، يخرُجُ بطريقِ الرَّشْحِ، ويُلَيِّنُ الطبيعةَ، ويُقَلِّلُ البَلْغَمَ.
وأمَّا الزيتونُ؛ فإنَّهُ منْ شجرةٍ مباركةٍ، فيهِ إدَامٌ ودُهْنٌ، يُؤْكَلُ ويُسْتَصْبَحُ بهِ، وشجَرَتُهُ في أغْلَبِ البلادِ، ولا يَحْتَاجُ إلى خِدْمَةٍ وتربيَةٍ، ويَنْبُتُ في الجبالِ التي لَيْسَتْ فيها دُهْنِيَّةٌ، ويمْكُثُ في الأرضِ أُلُوفاً من السنينِ. فلمَّا كانَ فيهما من المنافعِ والمصالحِ الدالَّةِ على قُدَرةِ خالِقِهِما لا جَرَمَ أقْسَمَ اللَّهُ بهما.
وقيلَ: هما جَبَلانِ، فَالتِّينُ: الجبلُ الذي عليهِ دِمَشْقُ، والزيتُونُ: الجَبَلُ الذي عليهِ بيْتُ المقْدِسِ، واسمُهُما بالسُّرْيَانِيَّةِ: طُورُ تِينا وطُورُ زِيتَا؛ لأنَّهما يُنْبِتانِ التِّينَ والزيتونَ.
وقيلَ: هما مَسْجِدَانِ، فالتِّينُ: مسجِدُ دِمَشْقَ، والزيتونُ: مسْجِدُ بيْتِ المقْدِسِ. وإنَّما حَسُنَ القَسَمُ بهما لأنَّهما موْضِعُ الطاعةِ.
وقيلَ: التِّينُ مَسْجِدُ أصحابِ الكهفِ، والزيتونُ: مسجدُ إِيلِيَاءَ. وقيلَ: التِّينُ: مسجدُ نُوحٍ الذي بَنَاهُ على الجُودِيِّ، والزيتونُ: مسجدُ بيتِ المقدسِ). [لباب التأويل: 4/ 444]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت: 728هـ): (أقولُ: مِن المَعلومِ أنَّ الإِقْسَامَ يَنْبَغِي في بابِ البَلاغَةِ أَنْ يَكُونَ مُناسِباً، وكذا القَسَمُ والمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وكأنَّ اللَّهَ سبحانَه أَقْسَمَ بالمَراتبِ الأَرْبَعِ التي للنفسِ الإنسانيَّةِ مِن العقلِ الهَيُولانِيِّ والعَقْلِ بالمَلَكَةِ، والعَقْلِ بالفِعْلِ والعَقْلِ المُستفادِ، أنَّ الإنسانَ خُلِقَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وهو كَوْنُه مُستَعِدًّا للوصولِ إلى المَرْتَبَةِ الرابعةِ في العلمِ والعَمَلِ، ثم إذا لم يَجْتَهِدْ في الوُصولِ إلى كَمالِه اللائقِ به فكأنَّه رُدَّ إلى أسفلِ سَافِلِينَ الطَّبِيعَةِ.
وإِنَّما عَبَّرَ عن العَقْلِ الهَيُولانِيِّ بالتِّينِ لضَعْفِ شَجَرَتِه، ولأنَّه زَمَانُ الصِّبَا واللَّهوِ والالتذاذِ
[غرائب القرآن: 30/ 128]
والاشتغالِ بالأُمورِ التي لا طائِلَ تَحْتَها ولا دَرَكَ فيها، بخِلافِ زَمانِ العَقْلِ بالمَلَكَةِ؛ لقُوَّةِ المَعْقُولاتِ فيها لكونِه بحيثُ يَطْلُبُ للأشياءِ حَقائِقَ ومَعانِيَ، وهي بمَنْزِلَةِ الزَّيْتِ، وفي زمانِ العَقْلِ بالفعلِ يكونُ قَدِ ازدادتِ المعانِي رُسوخاً حتى صارَتْ كالجَبَلِ المُبارَكِ.
وفي آخِرِ المَرَاتِبِ اجْتَمَعَتْ عِنْدَه صُوَرُ الحقائقِ دَفْعَةً بمنزلةِ المدينةِ الفاضِلَةِ, ولعَلَّنَا قَدْ كَتَبْنَا في هذا المعنَى رِسالةً مُفْرَدَةً، فلْنقْتَصِرْ في التفسيرِ على هذا القَدْرِ مِن التأويلِ). [غرائب القرآن: 30/ 129]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت: 728هـ): (فهذهِ المَصالِحُ والمَنَافِعُ هي التي جَوَّزَتِ الإقسامَ بِهما). [غرائب القرآن: 30/ 127 - 128]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنَ جَزِيٍّ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (أَقْسَمَ اللهُ بهما لفَضِيلَتِهِما على سائرِ الثِّمارِ). [التسهيل: 206 - 207]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (ومعْنَى القسمِ بهذهِ الأشياءِ إبانةُ شَرَفِهَا وما ظهرَ فيها من الخيرِ بسُكْنَى الأنبياءِ والصالحينَ، فَمَنْبِتُ التينِ والزيتونِ مُهَاجَرُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، ومولدُ عِيسَى ومَنْشَأُهُ). [البحر المحيط: 8/ 690]
¥