تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومصدرها" الذُّلّ " عام بين الإنسان والدابة إلا أنهم في التوصيف خالفوا فخصوا الإنسان بصفة "ذليل" والحيوان بصفة" ذلول" .. ونقلوا عن الكسائي قوله:" فرس ذَلُول بيِّن الذِّل، ِّ ورجل ذَلِيلٌ بيِّنُ الذِّلَّةِ والذُّلِّ،ودابة ذَلولٌ بيِّنة الذُّلِّ"

وإن وصف المركوب بالذلول أكبر من أن يحصر في المنثور والمنظوم

كقولهم:

ومنها أن يُقادَ به بَعير ... ذَلُولٌ حينَ تَهتَرِشُ الكِلابُ

وقولهم:

وأنتم بحمد الله فيكم فظاظة ... وكل ذلول من مراكبكم صعب

وقد بلغت عندهم درجة التلازم بين الصفة والموصوف ان استغنوا عن ذكر الموصوف مكتفين بالصفة فقالوا في أمثالهم:

"يركب الصعب من لا ذلول له"

وتوسعوا في إطلاق الوصف فامتد إلى ما له بعض ملابسة بالمطي والركوب مثل السبل والطرق .. ومنه قوله تعالى:

"فاسْلُكي سُبُل رَبِّكِ ذُلُلاً"

وهذا المعنى مشهود في آية الملك أيضا إذ فرع الأمر بالمشي على الجعل .. فضلا عن تشبيه الأرض بالدابة بناء على إيحاء صفة "ذلول" ... أو قد يقال -على اصطلاح آخر لا نرتضيه -أن هنا استعارة بالكناية حيث شبهت الأرض بالدابة فحذفت الدابة مع الإبقاء على أحد لوازمها وهي صفة ذلول وتم نقلها إلى الأرض تحت مسوغ معتبرهو ادعاء انتماء الفردين إلى جنس واحد.

كيفما كان الحال فالأرض هي "مطيتنا الكونية" بمقتضى إيحاء الآية!!

وفي وسع المستأنسين بأقوال علماء الهيئة أن يجدوا في التشبيه اكتنازا دلاليا قويا ... باعتبار ما يمنحه وجه الشبه من تماثلات على أكثر من جهة:

-فمن شأن المطية الحركة والانتقال،وكذلك الأرض فهي جارية في فلكها المقدر لها من قبل العزيز العليم ..

-ومن شأن المطية الذلول ألا تشمس أو تجفل أو تجمح فتلقي ما عليها من حمل وراكب، وكذلك الأرض سخرها الله فسوى في قوانينها بين الطارد والجاذب فلا تراها تنبذ شيئا مما عليها مع أن سرعتها قاضية بذلك!

-ومن شأن المطية الذلول أن تريح راكبها فلا تشعره بمشقة السفر .. وقد يصلي فوقها نافلته أو تأخذه غفوة، وكذلك الأرض هي في سفر دائب ومع ذلك فالناس منصرفون إلى معاشهم وسباتهم غير شاعرين بالمسافات الفلكية المقطوعة ومن الناس من ينكر ذلك أصلا!

ب-

فعل "جعل" الدال على التصيير والتحويل ينبيء عن مرحلة سابقة في تاريخ الأرض .. لقد كانت شموسا قبل أن تجعل ذلولا:

وهذا في وفاق مع آيات قرآنية أخرى تشيرإلى تحولات كبرى قديمة وقعت في الأرض كان القصد منها توطئتهالاستقبال الجنس الآدمي ... فمن ذلك الدحو والطحو والفرش وإخراج الماء والمرعى ...

وفي وفاق مع ما يذكره علماء الأرض العصريين عن طفولة الأرض التي كانت قطعة ملتهبة سريعة الدوران كثيرة الزلازل والبراكين غير صالحة للحياة .. ثم بدأت –في عصور طويلة متلاحقة-تبرد وتنتظم حركتها وتتشكل فيها تدريجيا بيئة صالحة للحياة ...

ج-

" .. جَعَلَ لَكُمُ .... "

تقديم العلة الغائية (لَكُمُ) على المعلول (الْأَرْضَ) ... تنبيه على الحكمة العليا من جعل الأرض .. فما وقع من تغييرات ليس آليات عشوائية كما يزعم كثير من المبطلين، بل هي محكومة بقصدية وغائية واضحة .. والآية رد قوي على هؤلاء الآليين، فلا يمكن تفسير ما وقع للأرض من تحولات بدون اعتبار مبدأ"العناية"،لأن تلك التحولات قد وجد بعضها منفصلا عن بعض و بعضها متقدما عن بعض: فمنها ما يتعلق بداخل الأرض ومنها ما يتعلق بالماء ومنها ما يتعلق بالغلاف الجوي ومنها ما يتعلق بالتربة ومنها ما يتعلق بتعاقب الليل والنهار واختلاف الصيف والشتاء ... فلا يعقل أن تجتمع هذه الآليات المتفرقة العمياء، صدفة، على صعيد واحد، لتوفير ما سيحتاجه كائن سيوجد بعد دهور!!!

د-

" .... ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ"

الآية تؤسس قاعدة للسلوك الإنساني:

"الأكل بعد المشي"

"امش لكي تأكل"

وضع الإنسان على ظهر هذه الأرض هو وضع الكادح الحارث ..

ه-

وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور

الآية تؤسس قاعدة عقدية:

التنعم بالأكل ينبغي ألا يغيب الحقيقة الأخرى .. والانتشار على الأرض يجب ألا ينسي النشور منها.

و-

من عجيب الآية اجتماع مختلف المقاصد على صعيدها:

1 - مقصدية الامتنان: "جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً"

2 - مقصدية الحث على الحياة والعمران: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير