ليس أدنى من صفات "قلة الأدب" و"الفضول"و"التطفل" و"التسور" ... !!!
وفي غمرة البحث المضني سيغيب المقصد الذي كان يجب اعتباره:
فهذا الكبير-ولله المثل الأعلى- ما أراد بإسراره إلا أن يعلن للملأ أن لذلك الشخص مكانة عنده فهو يريد أن يخصه بشيء لا يكون لغيره ... وقد يكون ما أسر به أمرا "عاديا" لا قيمة له في ذاته .. وإنما يستمد قيمته كلها من معنى "السرية"!!
هذا المغزى هي النكتة التي غابت عند بعض الناس ...
فليوسف عليه السلام عند ربه مكانة خاصة ..
فكان الإسرار إلى الخاصة بشيء من الأشياء ...
واكتفى في الإعلان عنه بوصف " برهان من ربه"
لكن الفضول دفع الناس إلى أن يحوموا حول ما لا يمكن معرفته فكانت النتيجة أن جاؤوا بغرائب وعجائب أمثلها طريقة تدل على عقم في الخيال وأقبحها طعن خفي في نبي الله يوسف ... فانظر إلى مقصود القرآن –في التكريم والتنويه- وإلى مقاصدهم!!
فمنهم من أسقط اصطلاح المناطقة على لغة القرآن ففهم من كلمة "برهان" ما يفهم منها في اصطلاح تصانيف أرسطو والقوم .. فزعموا أن يوسف اصطنع قياسات ووضع مقدمات واستنبط نتاجات .. تمنعه من مجامعة المرأة!!
فغفلوا أن القياسات الصحيحة في متناول كل عاقل .. وأن الامر يتعلق هنا ببرهان من" ربه" وليس من عقله .. ثم كيف اطلعوا على ذهن يوسف وهو غيب من الغيوب!.
ومنهم من زعم أن المرأة غطت وجه الصنم – إلهها- فسألها يوسف عن سبب ذلك فقالت إنها تستحي أن يراها إلهها في وضع مشين فوضعت غطاء على عينيه!
وزعموا أن يوسف اصطنع هنا قياس الأولى فقال إنه أولى بتقوى الله منها ... فانصرف عنها .. !!
فاعجب من خبر عن نبي تربي في أسرة كبار الانبياء لا يتعلم تقوى الله إلا من مشركة ذات شهوة!!
وزعموا أن صورة يعقوب عاضا على أصبعه تمثلت ليوسف في الجدار أو في السقف أو في السماء ... !!!
فلا يقال لهم إلا هاتوا برهانكم عن "برهان ربه"!!
ورحم الله أبا جعفر شيخ المفسرين ... فقد شاء له حسه العلمي أن يسرد بعض هاتيكم الأقوال .. كما شاء حسه الخلقي- الجمالي! -أن يقول في نهاية المقال:
(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة = وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب = وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا = ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه).
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[24 - 11 - 08, 01:48 م]ـ
-14 -
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
أنت لست في حاجة إلى ارتياد الآفاق أو السفر إلى المجرات،في رحلة غير مأمونة،لكي تدرك إعجاز القرآن!!
هو أقرب من ذلك بكثير، و هو مع ذلك ماثل بوضوح بحيث لا يضطر العنزان إلى أي انتطاح!
تأمل قوله تعالى:
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
ألم تر أن الله قص علينا قصة كاملة في سبع كلمات!!
هذا العدد من الكلمات لا يكفي السارد من الجنة والناس لمقدمة المقدمة ... لكن القرآن فصل منها قصة كاملة ذات أحداث ... فليتأمل ... ثم فليتأمل!!!
ـ[أنس بن محمد عمرو بن عبداللطيف]ــــــــ[25 - 11 - 08, 08:45 ص]ـ
... ما شاء الله يا أخي عبدَ المُعزّ
والله إنّها لإضاءات نيّرات لبعض الدرر التي احتوت عليها الآيات
زد ... بارك الله فيك
فأنا في شوق لمعرفة المزيد
علّمنا الله وإياك
شكر الله لك ...
ركنٌ طيب موفّق بإذن الله
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[25 - 11 - 08, 08:17 م]ـ
-15 -
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ
قصة أخرى ذات أحداث تأتي عقب قصة أولى وتسرد على أسلوبها ذاته:ست كلمات فقط ..
من هذه الكلمات الست وحدها ينتزع الذهن قصة كاملة ذات فائدة يحسن السكوت عليها!!
فلنسم هذا الوجه من الإعجاز:"الإعجاز السردي".
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[21 - 02 - 09, 02:54 ص]ـ
-16 -
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} المجادلة7
كنت أتساءل عن السر في عدم ذكر النجوى بين اثنين والبدء رأسا بالثلاثة .... فخطر ببالي أنه ربما لم يبدأ بالاثنين لأنه سيقول "إلا هو ثالثهم" والنصارى تقول في ضلالها" إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ " ومع أن الفروق بين المقامين لا تخفى على أحد إلا أن القرآن اختار ألا يرد فيه تعبير يجري على ألسنة الكفار ...
ثم لم تطمئن النفس لهذا التعليل، فوقع لي بعدها تعليل أقوى مبني على قوله "وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ" .. فهذا الحكم الكلي العام ما كان ليكون لو ذكر نجوى الاثنين .. لأن النجوى بين الاثنين في أدنى المراتب فلا يستقيم معه القول "وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ”
فتكون الآية قد أشارت إلى كل المراتب الممكنة:
صرحت بالنجوى بين الثلاثة والأربعة ... ونبهت على النجوى بين الاثنين بقوله "ولا أدنى من ذلك" .. وأجملت ذكر كل الأعداد لا إلى نهاية بقوله "ولا أكثر".
¥