ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[06 - 11 - 08, 06:08 م]ـ
-12 -
.... إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب72
..... إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} إبراهيم34
صيغة المبالغة تفيد تجاوز الحدود: حدود الظلم والجهل والكفر ...
العلاقة الاستبدالية بين الجهل والكفر مؤشر على تجانس المفهومين .. وسنرى في الآيات الآتية حجاجا بليغا تثبت دعوى أن الكفر ليس إلا جهلا ... وأن سحيق دركات الكفر هي ذاتها أقصى مراتب الجهل:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً {50}
المقام الحجاجي الكلي مؤسس على ثلاثة مواقف جزئية،من شأن كل موقف-استقلالا- إقناع المخاطب بالدعوى المقررة .. فكيف وقد انضم إلى الموقف موقفان آخران!!
ولكن الإنسان يأبى إلا الانسياق وراء الدعوى المضادة ... وتلك غاية الجهل!
-الموقف الأول:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
رب العالمين يظهر إرادته في تشريف الجنس البشري، فيأمر بالسجود لآدم ..
هذا وحده كاف ليحمل الآدمي على محبة الله .. فلا يستساغ -بأي مقياس كان- أن يعادي المرء من يشرفه ويعظمه ...
والإعراض عن الله في هذه الحالة هو إعراض عن التشريف والتكريم ورضى بالخسة والحقارة!!! وهذا لا يدل إلا على انقلاب القيم وفساد الموازين ..
-الموقف الثاني:
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ..
امتناع إبليس عن السجود إيذان بموقف مزدوج:
-موقف من رب العالمين مداره على الكفر والفسق
-موقف من آدم مؤسس على التعالي والاحتقار ..
فيكون الإنسان في موقع منير لا يمكن أن يتلبس به ظل أي إشكال:
فهو بين ما يريد تكريمه وتشريفه وبين من يعلن تحقيره ويشهر التعالي عليه ...
فهل سيتردد هنا عاقل أدنى تردد في الوجهة التي سيتخذها ... ؟
هل سيخطر على الذهن –مجرد خاطر-أنه يمكن الركون إلى من يحتقرنا ومعادة من شرفنا! ..
ومع ذلك فقد كان للإنسان سلوك آخر!!!
-الموقف الثالث:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
هذا الموقف يصل إلى منتهى التحفيز!
إن إبليس لم يكتف بالاحتقار والازدراء بل أضاف إليه أمرا أخطر هو الرغبة في الانتقام .. فيكون الشيطان-في علاقته بالآدمي- قد تطور من مستوى التقييم (أنا خير منه) إلى مستوى الفعل (العداء) ...
بعبارة أخرى إن الآدمي مضطر إلى التطور نفسه: فالأمر لم يعد مسألة معرفة الحسن والقبح .. بل إن الأمريستدعي شيئا لا يكون أقل من " الفرار" ... فمن كان يحتقرك أضحى يريد قتلك! فإن أعرضت عن الأول وقلت لا يهمني أن يحتقرني أتراك تقول ذلك وهو يريد إهلاكك!!
لقد استجاب الإنسان لمطلب الموقف،وقدر أنه لا مناص من الفرار ... ففرّ ...
لكنه فر من الله إلى عدوه!!!!!!!
لا أرى أن كل علامات التعجب الموجودة في الدنيا بكافية هنا!
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[15 - 11 - 08, 07:17 م]ـ
-13 -
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24}
مسألة "الهم" أسالت كثيرا من المداد، وفتحت للناس صنوفا من أبواب المقال ... فلن نزيد قولا إلى ما سبق من جمهرة الأقوال،ولكننا سنقف قليلا عند المسألة الثانية في الآية:مسألة"البرهان".
رأينا نبنيه على مبدأ وقاعدة: أما المبدأ فهو
1 - إن للسر جمالا
وأما القاعدة فهي:
2 - إن ما لا سبيل إلى معرفته يجب السكوت عليه ..
وعدم الالتفات إلى "المبدأ" يجر حتما إلى اختراق" القاعدة" .. !
ماذا رأى الصديق عليه السلام؟
اختار القرآن هنا -وهو الموصوف بالبيان والتفصيل- أسلوب الإجمال:" بُرْهَانَ رَبِّهِ" ..
فمقصود القرآن المبين إذن هو أن يبقى الأمر سرا .. !
وأي سر!!
سر بين نبي وربه!!!
وللسر جماله .. مثلما له مغزاه ...
فلو رأينا-ولله المثل الأعلى-كبير قوم يسر إلى واحد من حاشيته أمرا، ولو رأينا-ولله المثل الأعلى- قرينة من المسر تشير إلى أنه يريد أن يبقى السر سرا ... فبماذا سيوصف سلوك من يبخع نفسه لمعرفة محتوى ذلك السر.!
¥