فائدةٌ - مجانًا - هل كلمةُ {مجانًا} فصيحةٌ؟!
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[16 - 10 - 10, 04:21 م]ـ
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله.
وبعد.
فقد قرأتُ في رمضانَ المُنْصرم، قول الشيخ العلامة ابن سِعْدي –رحمه الله-:
في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} ترقيق وحث على العفو إلى الدية، وأحسن من ذلك العفو مجانا.
ـ {قَالَ} لهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ} أي: أمرهم بعبادة الله وحده، ونهاهم عما هم عليه، من عبادة غير الله، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره، وتجويزهم لذلك، ووضح لهم وجوب عبادة الله، وفساد عبادة ما سواه.
ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي: غرامة من أموالكم، على ما دعوتكم إليه، فتقولوا: هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا.
{وَأَمَّا الْجِدَارُ} الذي أقمته {فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما، لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضا بصلاح والدهما.
{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا} أي: فلهذا هدمت الجدار، واستخرجت ما تحته من كنزهما، وأعدته مجانا.
فعنَّ في خاطري أن كلمة (مجاناً) كلمة عامية، وما زال يجول في أنفاسي إلى أن وُفقتُ للتنقيش والتفتيش عنها.
فإليك هذه النقولات، عن الثقات الأثبات:
قال صاحبُ الصحاح (الجوهري الفرابي):
حكى أبو عمرو: ذهب دمه ظَلَفاً وظَلْفاً أيضاً، أي هدراً باطلاً. ويقال: ذهب ظَليفاً، أي مجَّاناً، أخذه بغير ثمن.
وقال المحيط صاحب القاموس (الفيروز آبادي)
وأخَذْتُ بصوفِ رَقَبَتِهِ وبصافِها: بِجِلْدِها أو بِشَعَرِهِ المُتَدَلِّي في نُقْرَةِ قَفاهُ أو بِقَفاهُ جَمْعَاءَ أو أخَذْتُهُ قَهْراً أو ذلك إذا تَبِعَه وقد ظَنَّ أن لَنْ يُدْرِكَهُ فَلَحِقَهُ أَخَذَ بِرَقَبَتِهِ أو لم يأخُذْ. وأعطاهُ بصوفِ رَقَبَتِهِ: برُمَّتِهِ أو مَجَّاناً بلا ثَمَنٍ.
وقال أصحاب (المعجم الوسيط)
(مجن)
الشيء مجونا صلب وغلظ وفلان مجونا ومجانة قل حياؤه فهو ماجن (ج) مجان وهي ماجنة (ج) مواجن وخلط الجد بالهزل يقال قد مجنت فاسكت
(ماجنه) مازحه وخلط كل منهما الجد بالهزل
(تماجنا) تمازحا وخلط كل منهما الجد بالهزل
(المجان) إعطاء الشيء بلا ثمن ولا مقابل يقال أخذ الشيء مجانا بلا بدل والكثير الكافي يقال ماء مجان وتمر مجان
قال صاحب (لسان العرب) ابن منظور:
قال الأَزهري سمعت أَعرابيّاً يقول لخادم له كان يَعْذِلُه كثيراً وهو لا يَرِيعُ إِلى قوله أَراك قد مَجَنْتَ على الكلام- أَراد أَنه مَرَنَ عليه لا يَعْبأُ به ومثله مَرَدَ على الكلام-
وفي التنزيل العزيز (مَرَدُوا على النفاق) الليث المَجّانُ عطية الشيء بلا مِنَّة ولا ثمن.
قال أَبو العباس: سمعت ابن الأَعرابي يقول المَجّان عند العرب الباطلُ وقالوا ماءٌ مَجّانٌ
قال الأَزهري: العرب تقول تمر مَجّانٌ وماء مَجّانٌ يريدون أَنه كثير كافٍ قال واستَطْعَمني أَعرابي تمراً فأَطعمته كُتْلةً واعتذرت إِليه من قِلَّته فقال هذا والله مَجّانٌ أَي كثير كافٍ وقولهم أَخذه مَجّاناً أَي بلا بدل وهو فَعّال لأَنه ينصرف
وقال صاحب مختار الصحاح (محمد عبد القادر الرازي)
[مجن] م ج ن: المُجُونُ ألا يبالي الإنسان ما صنع وقد مَجَنَ من باب دخل و مَجَانَةً أيضا فهو مَاجِنٌ وجمعه مُجَّانٌ أيضاوقولهم أخذه مَجَّانا أي بلا بدل وهو فَعَّال لأنه منصرف
قال البحتري في (ديوانه):
(وَلمْ أكُنْ بَائِعاً بالرَّغْبِ عَبْدَهُمُ، ** وَأنْتَ تَطلُبُهُمْ، يا بَهلُ، مَجّانَا) 0 (إذهبْ إليكَ، فلا مُحظى بعارفةٍ، ** وَلا مُصِيباً، لِما حاوَلتُ، إمْكَانَا)
قال شيخ المفسرين (ابن جرير الطبري)
لْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً}.
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ.
823 - فَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} يَقُولُ: لاَ تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: هُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ: يَا ابْنَ آدَمَ عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّانًا.
طرفة
كان بن ناصر رأسًا في اللغة. قال: وسمعت بن سكينة يقول: قلت
لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي وشرحه لأبي زكريا، فقال: إنك دائمًا تقرأ علي الحديث مجانًا وهذا شعر ونحن نحتاج إلى نفقة. فأعطاني أبي خمسة دنانير فدفعتها إليه وقرأت عليه الكتاب.
(تذكرة الحفاظ / للذهبي).
أخوكم / أبو الهمام البرقاوي.
¥