[لغة العيون في الشعر العربي]
ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[17 - 10 - 10, 03:37 م]ـ
د. ماجد أحمد المومني
الأردن / صويلح
تمهيد:
العيون تتكلّم ولكن بلا صوت، فتوحي ما توحي من هُدى وضلال. تُلهبُ الحواس، وتغزو القلوب، وتغزو الفضاء، من خلال نظرة، أو دمعة تذهل الناظرين، وتلجم السنتهم وتتركهم حيارى لا يدرون ما وراءها من خوالج ومآرب، وما تخفيه من شعور وعواطف.
هي معين الجمال، وينابيع الإلهام، يستقي منها الشعراء شعرهم، والأدباء والمفكرون أدبهم وفكرهم، هي وحيهم الذي يستهلمون، وطريقتهم التي يختارون. هي خلاصة إنسانيتهم ومستودع أسرارهم.
العيون مُعجزة اللّه على أرضه .. حركاتها حافلة بالأحداث تدل على المحبة إذا اتسعت، وعلى الكره والحقد إذا انكمشت .. فيها الجاذبية والقوة، وفيها المكر والدّهاء، والجدب والرّخاء، والبريق واللهيب واليقظة والفتور. هي كتاب لا يقرؤه إلا المجربون من ذوي البصائر والضمائر الحية، والألباب الذكية .. فيها ما يُضعف العزائم، وفيها ما يشحذ المواهب.
وحسبنا في ذلك أنفقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها «أبو حزم» قد ألَّف كتاباً أسماه «طوق الحمامة» في لغة العيون وحركاتها ومدلولاتها وإشاراتها سنقطف من ألحاظها بعضاً من سهامها وأشعارها شيئاً يخدم الموضوع، وعند حدود عنوان هذا المقال.
ومع هذه القوة والمكانة للعيون .. نجد أن العقل الإنساني قد أوجد لها عيوناً مساعدة، مكّنت الإنسان كشف الخفايا بعمليات التنظير .. واكتشاف المسارات والأفلاك وسجّلت هذه العيون رؤيا الكواكب والمريخ وجابت الفضاء لتتجسّس على أخفى خصوصيّات الإنسان عبر الأقمار الصّناعية ومن ثم نقل هذه الأسرار والخصوصيات عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت العنكبوتية ..
إنها عيون هاتكه وفاضحة وساحرة وكاشفة ونافذة وفاحصة وعاذله وشاكيه وفاترة وناعسة وأحياناً قاتلة كما وصفها الشاعر العربي جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ
قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به
وهن أضعفُ خلق اللّه إنساناً
بل هي أكثر من ذلك عند أبي الطيّب المتنبي .. حينما يصف قتيل الهوى مضرجاً بدموعه، بينما قتيل المعارك مُضرّج بدمائه .. فهو يقول:
لا تعذُلِ المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
إنّ القتيل مُضرّج بدموعه
مثل القتيل مُضرّج بدمائه ..
بل إنّ عودة روح هذا القتيل لصاحبها هي في رأي أبي الطيب المتنبي في عودته للكواعب .. ونظره إلى لحظ الحبائب فهو يقول:
أعيدوا صاحبي فهو عند الكواعب
وردّوارُقادي فهو لحظُ الحبائب
فإن نهاري ليلة مدلهمة
على مُقلة من بعدكم في غياهب
بعيدة ما بين الجفون كأنما
عقدتم أعالي كلّ هُدب بحاجب
* لغة العُيون في طَوْقِ الحَمامةِ:-
قد يعجب القارىء من شيخ تقدمت به السّن أمثالي، شارف على الستين، وحج واعتمر، ولا يترك فرضاً ولا نافلة إلا ويقوم بها طواعية وقُرباناً له في آخرته .. ويزول العجب عندما يعلم القارىء أنّ فقيهاً وشيخاً وفيلسوفاً قد كتب رسالة في هذا الموضوع ضّمنها في كتاب طويل أسماه «طوق الحمامة». وصاحب هذا الطوّق «ابن حزم» فقيه الأندلس وشيخها وفيلسوفها.
بوّب هذا الطوّق ثلاثين باباً .. منها عشرة في أصول الحُبّ وإثنا عشر في أغراض الحبّ وصفاته المحمودة والمذمومة، وستة في الآفات الدّاخلة عليه، ثم بابان ختم بهما طوق الحمامة: باب في قُبح المعصية وباب في فضل التعففّ.
والتراث العربي حافل بأمثال طوق الحمامة، منها: «روضة المحبّين» لابن قيّم الجوزية، «ومصارع العُشاق» لابن السرّاج، وديوان الصبابة، لابن أبي حجلة، وكتاب الزهرة، للمفكر العراقي ابن داود الظاهري.
وعلى أية حال فهذا الموضوع معنى ومضموناً، وشكلاً وسلوكاً، وطريقة وتعبيراً، يختلف عن ذاك الذي هو في زماننا، بعد أن أصبح فنوناً وألواناً، وأشكالاً وأحجاماً، وأطيافاً .. يُعرض على الشاشات، ويُمارس في بعض المحافل والبارات، حتى أفرغ منمضمونه .. وشوهت ملامحه، وديست معانيه وأهدافه السّامية. وهذا ما يتّضح لنا من طوق الحمامة، وسلوك بني عُذره، وفلسفة ابن سينا، وأخبار جميل وبثينه، وقيس ولبنى.
نفكّ طوق الحمامة لندخل إلى أبواب:
- الإشارة بالعين ومدلولاتها
- مفاهيم الحبّ ومدلولاته
- أنواع المحبة وعلاماتها
- الوحدانية في الحبّ ..
الإشارة بالعين ومدلولاتها:
¥