تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سمَّوا بـ (اللَّغْو) ساقطَ القيمةِ على سبيلِ المجاز المرسَلِ، ذي العَلاقةِ التلازميَّة، لأنَّ (اللَّغْو) في الحقيقةِ معنًى، وهم وسمُوا بهِ ما قامَ به هذا المعنَى، كمثلِ تسميتِكَ الشيءَ الفاسِدَ فسادًا. ويجُوز أن يكونَ من بابِ الاستِعارةِ، حيثُ لم يَرضَوا أن يجعلُوا هذه الأشياءَ متلبِّسَةً بـ (اللَّغو)، حتى جعلُوها هي اللغوَ نفسَه إيغالاً في المبالغةِ، والتوكيدِ، كما قالُوا: (هو عَدْلٌ، ورِضًا). ثمَّ تُنُوسِيَ الاستِعمالُ الحقيقيُّ للكلمةِ، وحلَّ الاستِعمالُ المجازيُّ مكانَه، وأصبحَ حقيقةً عرفيَّةً.

=ومن وجوهِ استعمالِه على هذا النحوِ إطلاقُه على:

1 - ما لا خيرَ فيه، ولا نفعَ من الكلامِ. ومنه قولُه تعالَى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif والذين هم عن اللغوِ معرِضون http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ المؤمنون: 3]، وقولُه: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif لا يسمعون فيها لغوًا إلا سلامًا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ مريم: 62].

2 - ما لم ينعقِد عليه القلبُ من الأيمانِ. ومنه قول الله تعالَى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif لا يؤاخذكم الله باللغوِ في أيمانِكم http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ البقرة: 225].

3 - أولاد البهائم ما عدا أولادَ الإبِلِ. وذلكَ أنَّها إذا بِيعت أمَّهاتهنَّ، تبِعنَهنَّ بلا ثَمَنٍ.

4 - ما لا يُعدُّ من أولادِ الإبِل في الدِّيَة، قالَ ذو الرمةِ:

ويهلِك بينَها المرَئيُّ لغوًا ... كما ألغيتَ في الدِّية الحُوارا

=وقد استعملُوه على سبيلِ المجازِ:

1 - فسمَّوا به أصواتَ البهائمِ، وخاصَّةً الطيورَ، لأنَّهم لا يَفهمونَ عنها، ولا يفقَهونَ معانيَ أصواتِها، فشبَّهوها بما لا قيمةَ له، ولا نفعَ على جهةِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ، وإن كانت في نفسِها ذاتَ نفعٍ لمن يَفهَم منطِقَها من أبناء أمَّتِها. قالَ ثعلبةُ بنُ صُعيرٍ المازنيُّ:

باكرتُهم بسِباءٍ جَونٍ ذارعٍ ... قبلَ الصَّباح، وقبلَ لَغْوِ الطائرِ

2 - وقالوا: (اللَّغْو)، و (اللغَا)، و (اللغْوَى). وهي مصادر. ثمَّ أطلقُوها على لازِمِها، كإطلاقها على ما لا خيرَ فيه من الكلامِ. وهو مجازٌ مرسَل، عَلاقتُه التلازميَّة. وهو مذهبٌ شائعٌ في كلامِهم. ومنه قولُ العجَّاج:

* عن اللَّغَا، ورفَثِ التكلُّمِ*

الأصلُ الثاني: (مَعْنويٌّ)

وهو: لزُومُ الشيءِ، واللهَج به.

=تصاريفه:

يقالَ: لغِيَ، ولغَا يلغَى (على مِثال فرِحَ، وفتَحَ) لغًا.

=وجوه استعماله:

من وجوه استِعماله، وكلُّها حقيقةٌ، قولُهم:

1 - لغِيَ بالماء.

2 - لغِيَ بالشَّراب.

3 - لغِيَ بالكلامِ.

=التفريعاتُ الاشتقاقيَّة لهذا الأصل:

خصَّصتِ العربُ بعضَ أفرادِ (اللَّغَا)، وهي لزومُ الكلامِ خاصَّةً، بمصدرٍ لا يشرَكها فيه غيرُها، وهو (اللُّغَة). وذلكَ ما نسمِّيه (التخصيصَ بالوضع)، أي: تخصيصَ بعضِ ما يجُوز دخولُه تحتَ لفظٍ من الألفاظِ بلفظٍ خاصٍّ به، مقصورٍ عليه، ينفصِل به عن غيرِه. وهو طريقٌ مستَتِبٌّ مُعمَلٌ. وفيه ما يؤذِنك ببَراعةِ العربيَّة، ولُطفِ اشتقاقِها، وانفساحِ مطارحِها. ونظيرُ هذا قولُهم: (أثامٌ)، و (إثامٌ) لعقوبةِ الإثمِ، فأفردوها بمصدرٍ معَ أنَّ عقوبةَ الإثمِ من مَّا يشتمِلُ عليه (الإثْمُ) من طريقِ المجازِ. ثمَّ إنهم تصرَّفوا بـ (اللغة) متصرَّفًا آخرَ، فركِبوا بها سبيلَ المجازِ، حيثُ خرجُوا بها من دلالتِها على الحدَث إلى أن سمَّوا بها الألفاظَ المتكلَّمَ بها من طريقِ المَجاز المرسَل ذي العَلاقةِ التلازمية. وذلك أنَّهم ذكرُوا (اللغة) وهي في الأصل دالة على الحدثِ، وأرادوا بها لازِمَها، وهو الكلامُ. وليس هذا بمستنكَرٍ في مذهبِهم، ألا ترى أنَّ معنَى (اللفظ) إخراجُ الشيءِ من الفمِ، وقد سمَّوا به الملفوظَ على هذا النحوِ. ومثلُه (القولُ) أيضًا. فأمسَى معنَى (اللغة) ما يلزَمه الإنسانُ من أصواتٍ، وألفاظٍ، ودلالةٍ يقعُ بها التفاهمُ بينَه، وبينَ قومِه. وقد تراهم بنَوا اشتِقاقَها بالنظر إلى أبْيَنِ صفاتِها، وهو اللزومُ، من حيثُ كانت (اللغة) من الأشياء التي تَجري مجرَى العاداتِ التي تختصُّ امرأ دونَ امرئٍ، وقومًا دونَ قومٍ، ولا تنفكُّ عن صاحبِها، أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير