تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَالَتْ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ

(قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) (20)

وفي صحيح البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) قَالَتْ ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ (21)

القول الرابع: ومن العلماء من ذهب إلى إمكانية الجمع بين القولين خاصة وأن الأخبار التي جاءت عن ابن عباس كثيرة بعضها مطلقة بثبوت الرؤية وبعضها مقيدة على الرؤية بالقلب، فذهب البعض إلى التوفيق بين ما قالته عائشة وما قاله ابن عباس من أن نفي عائشة للرؤية أي بالبصر وإثبات ابن عباس للرؤية أي بالقلب أي أن قول الله تعالى " لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ " حاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه، لا نفي أصل رؤياه

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة رضي الله عنهم بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب. (22)

ومن هذا أيضا ما رواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس قال " قد رأى محمد ربه " قال أبو حاتم معنى قول ابن عباس قد رأى محمد ربه أراد به بقلبه في الموضع الذي لم يصعده أحد من البشر ارتفاعا في الشرف (23)

ثم روى في صحيحه عن مسروق بن الأجدع أنه سمع عائشة تقول " أعظم الفرية على الله من قال إن محمدا رأى ربه وإن محمدا كتم شيئا من الوحي وإن محمدا يعلم ما في غد قيل يا أم المؤمنين وما رآه؟ قالت لا إنما ذلك جبريل رآه مرتين في صورته مرة ملأ الأفق ومرة سادا أفق السماء " قال أبو حاتم قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان وليسا كذلك إذ الله جل وعلا فضل رسوله على غيره من الأنبياء حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين ومحمد يعلمه جبريل حينئذ فرآه بقلبه كما شاء، وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه تريد به في النوم ولا في اليقظة، وقوله لا تدركه الأبصار فإنما معناه لا تدركه الأبصار يرى في القيامة ولا تدركه الأبصار إذا رأته لأن الإدراك هو الإحاطة والرؤية هي النظر والله يرى ولا يدرك كنهه لأن الإدراك يقع على المخلوقين والنظر يكون من العبد لربه وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار فإنما معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلا من يتفضل عليه من عباده بأن يجعل أهلا لذلك واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما لأن هذه الأشياء بدايات خلقها الله جل وعلا لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية فالنبي رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين حتى يكون خبر عائشة أنه لم يره في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر (24)

وروى أيضا عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال " قلت لأبي ذر لو رأيت رسول الله لسألته عن كل شيء، فقال عن أي شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال سألته فقال " رأيت نورا " قال أبو حاتم معناه أنه لم ير ربه ولكن رأى نورا علويا من الأنوار المخلوقة" (25) والله أعلم أي ذلك كان.

هذه هي جُملة أقوال العُلماء في هذه المسألة ولكل منهم دليله الذي يحتج به، إلا أن القول بأن رسول الله لم ير ربه ليلة الإسراء ـ هو عندي ـ الأظهر والأقوى حجة، وهو القول المرفوع للنبي بحديث صحيح كما رواه مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، وقول ابن عباس لم يثبت بحديث مرفوع عن النبي وهو رغم علمه ـ رضي الله عنه ـ فقد تناول هذه المسألة بالظن والاجتهاد ولو كان معه شيء مرفوع إلى النبي لذكره ولقطع الخلاف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير