تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أن الأصل هو عدم ثبوت الرؤية فلم يخبرنا الله تعالى بثبوت رؤيته من نبي مرسل أو ملك مُقرب فالقول بثبوتها لا يستند إلى دليل قاطع، أما القول بأن ابن عباس أثبت شيئاً نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي فهذا إنما يكون صحيحاً إذا ذكر المثبت دليلاً على إثباته، فلا بد للمثبت أن يورد دليل الإثبات، ومُثبتوا الرؤية لم يقدموا أدلة بينة على ذلك، والنفي هو الأصل، حتى يقوم دليل الإثبات، وإذ لا دليل فكلام النافي هو المقدم، والنفي لا يحتاج إلى دليل، وقد عضدت عائشة رضي الله عنها مذهبها في النفي ببعض الآيات التي ظنت أنها تشهد لها. (26)

كما أن هذا القول يُسانده ظاهر اللفظ القرآني [لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى] (27) وقال تعالى [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] (28)

فإن الله عز وجل قد أقر برؤية رسوله لآيات عظيمة سواء في الإسراء أو في المعراج، ولم يخبرنا الله عز وجل برؤية رسوله لذاته عز وجل وذلك كان أدعى إلى الذكر، فرؤية الله عز وجل تفوق مجموع ما رأى رسول الله من الآيات في الأرض والسماء، فعدم ذكرها دليل على عدم وقوعها، كما أن رسول الله لم يحدث الناس عن رؤيته لله عز وجل ليلة الإسراء في الوقت الذي جاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة تشرح تفاصيل هذه الرحلة وما شاهده رسول الله من آيات ربه فيها، ففي صحيح البخاري عن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – أن النَّبيِّ قَالَ

«رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ» (29)

وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «عُرِضَ عَلَىَّ الأَنْبِيَاءُ فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ» (30)

وفي السلسلة الصحيحة أن رسول الله قال " رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون " (31) وأحاديث كثيرة تصف آيات عجيبة قد رآها رسول الله في هذه الرحلة قد تحدث عنها رسول الله مرارا لأصحابه، فتُرى أيهما كان أدعى إلى الذكر، رؤية الله عز وجل والتي لم تثبت بحديث صحيح، أم ما دونها من الآيات والتي ثبتت في كثير من الأحاديث الصحيحة؟؟

كذلك في صحيح مُسلم عن أبي موسى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ـ منها «حِجَابُهُ النُّورُ- وَفِى رِوَايَةِ النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» (32) ولا ينفي أحد بشرية رسول الله وأن طابعه البشري لم يُعد في الدنيا لرؤية الله تعالى فالفاني لا يرى الباقي كما قال مالك بن أنس رحمه الله وهو يبين أن مقدرة البشر لا تقوى على رؤية الله عز وجل لأنها لم تعد للرؤيا في الدنيا فقال " لم يُر في الدنيا، لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصاراً باقية رئي الباقي بالباقي "

ويؤيد هذا أيضا قول النبي وهو يخبر عن فتنة الدجال " وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " (33) فظاهر نفي الرؤية أنه لانتقاص طابعهم البشري عن إمكانية رؤية الله عز وجل ويقبل أن يدخل المُحدث وهو الرسول ضمنهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير