تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عن قول الله تعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (34) والتي يستند إليها من ذهب إلى ثبوت الرؤية فإن هذا القول لا يتوافق وسياق الآيات، فإن الآيات التي تسبقها تتحدث عن رؤية رسول الله لجبريل على صورته الحقيقية التي خُلق عليها، ثم قال تعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) أي أن رسول الله قد استشعر قلبه بصدق ما رأت عينيه رغم أنه أمر لم تألفه، ومن طباع البشر عندما ترى أعينهم ما لم تألف رؤيته ويبهر العقل تتوهم أنه خيال أو حلم، أما رؤية رسول الله لجبريل عليه السلام على صورته التي خُلق عليها في أول الوحي ثم عند سدرة المنتهى فقد رأت العين وصدق القلب الرؤيا على أنها عين يقين.

قال ابن القيم في الزاد " وأما قول ابن عباس أنه رآه بفؤاده مرتين فإن كان استناده إلى قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ثم قال {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والظاهر أنه مستنده فقد صح عن النبي أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها. (35)

كما روى الترمذي وصححه والإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أنه قال (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ (36)

أما عن قول الله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) فقال فيها أهل العلم عدة أقوال منها: أن الذي دنا هو جبريل عليه السلام دنا من محمد فتدلى أي تقرب منه، وقيل هو على التقديم والتأخير، فكان قاب قوسين أو أدنى من جبريل وهو على صورته التي خُلق بها، وقول الله تعالى " فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى " أي فأوحى جبريل إلى عبد الله ورسوله محمد ما أمره ربه أن يبلغه، فكان الوحي من الله عز وجل إلى رسوله بواسطة جبريل عليه السلام.

أما عن رواية شريك بن عبد الله للإسراء التي ذكرها الإمام البخاري والتي ذكر فيها دنو الجبار رب العزة من رسول الله فإن الحُفاظ قد غلطوا شريكا في روايته فعدوا عليه أكثر من عشرة أخطاء فيها، وقال الإمام مسلم عنها " إن شريك اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه" وقال عبد الحق الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين" ((زاد فيه شريك زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ، فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ)) وقال الخطابي " إن الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير، ومن تقدم منهم ومن تأخر " (37)

أما قول الله عز وجل [وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ] (38) فتأول البعض طلب موسى عليه السلام للرؤية بإمكانيتها في الدنيا وإلا ما كان ليطلبها موسى عليه السلام وقد جاء طلبه بعد بعثته، وهذا تأويل فيه نظر، فسياق الآيات يُشير إلى أن موسى عليه السلام أراد أن يختصه ربه بالكلام والرؤية معا، فتكون ميزة ينفرد بها عليه السلام، غير معنية بإحاطة علم موسى عليه السلام بإمكانية الرؤية من عدمها، فجاء الجواب من الله سبحانه مسبقا باستحالة الرؤية لذاته سُبحانه " لَنْ تَرَانِي " ثم قرنها بالدليل العقلي فجاء كمثال عملي أمام موسى عليه السلام ليبين له ضعف تركيبه البشري على تحمل رؤية الله عز وجل،فلما لم يقو على الرؤية أيقن أنه سأل أمر عظيم لم يهيأ له طابعه البشري وإن كان رسول مُقرب لذا لما أفاق قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) ومثل هذا قصة العزير الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه [قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير