تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من المشاريع الإصلاحية في القرآن الكريم.]

ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[11 - 01 - 10, 07:39 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.

أما بعد:

الإصلاح والأخلاق

بقلم: د. علي الصلابي

لا أخال أن أحدًا ممن يرجون الإصلاح في أوطانهم إلا ويتفق معي على أهمية الجانب التربوي والأخلاقي الذي يرسي القيم الفاضلة في تحقيق أي إصلاح.

ومن خلال بحثي ودراستي للتاريخ وجدت أن أي برنامج إصلاحي ينطلق من رؤية واضحة لدى صاحب المشروع يود من خلالها الانتقال بالمجتمع مما هو عليه الآن إلى ما هو أفضل؛ تحقيقًا لرغبات وطموح وآمال المجتمع كانت دائمًا تصاحب هذه الرؤية مجموعة القيم (أي الدستور الأخلاقي)، التي ترشد خُطا تنفيذ الرؤية. ولذا فإن نجاح المشاريع الإصلاحية وبقاء الأمم وازدهار حضارتها، واستدامة منعتها يتحقق ويستمر إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها، فإذا سقطت الأخلاق سقطت الدولة معها.

وفي هذا المقال وددت أن أنوه إلى أحد المشاريع الإصلاحية المهمة الذي أنقذ أمة من الهلاك وانتقل بها إلى الرخاء والعيش الكريم، وهو مشروع ذكره القرآن الكريم .. إنه المشروع الإصلاحي ليوسف - عليه السلام -؛ وذلك لكي نستخرج منه الدروس ونستلهم منه العبر، ونضع أيدينا على سنن وقوانين الله في حركة المجتمعات والنهوض بالشعوب {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].

لمحة عامة على المشروع الإصلاحي ليوسف - عليه السلام -.

لقد كان من ثمار تدبير يوسف – عليه السلام - وتخطيطه أن حفظ شعبًا من الهلاك والجوع، خرج من الشدائد وعاد إلى الرخاء. وفي قصة يوسف – عليه السلام- إشارات إلى واقع تخطيطي؛ كي ندرك أن الإسلام لا يقوم على التخمين أو التواكل، ولكنه يهتم بأدق الأساليب وأعمقها، سواء في جانب الاقتصاد أو السياسة أو غيرها، قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43].

وتولى يوسف – عليه السلام - تفسير الرؤيا فقال: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47]. إن يوسف فسر الرؤيا وزاد عليها بتقديم خطة عملية تستغرق القطر كله والشعب المصري كله، أي اعتمدت خطته على التشغيل الكامل للأمة والبرمجة الكاملة للوقت، ثم التشغيل الكامل لطاقة كل فرد في الأمة، وهذا الذي أراده يوسف – عليه السلام - ثم عبر عنه بقوله: {تَزْرَعُونَ}. إن الذي يخطط له يوسف – عليه السلام - هو مضاعفة الإنتاج وتقليل الاستهلاك؛ لأن الأزمات والظروف الاستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي، ولأن سلوك الناس في الأزمات غير سلوكهم في الظروف العادية.

الدروس المستفادة من جانب التخطيط.

إن يوسف – عليه السلام - بتفسيره لرؤية الملك قام بتحديد الخطوط العريضة لخطته، وبذلك قام باستشراف المستقبل، ووضع الأهداف اللازمة لإنجاح الخطة، ولقد قسم مراحل الخطة إلى ثلاث مراحل هي:

1 - المرحلة الأولى: تزرعون سبع سنين دأبًا:

الطابع الغالب على المرحلة الأولى هو الإنتاج والادخار، مع استهلاك محدود {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ}.

2 - ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد:

فإذا انتهت سنوات الإنتاج السبع بما فيها من جهد متصل دائب، واستهلاك محدود كان على الخطة أن تواجه تحديًا ضخمًا، هو توفير الأقوات سبع سنين عجاف. وبعبارة أخرى: بعد الإنتاج والجهد الدائب في المرحلة الأولى سيأتي تحمُّل أيضًا المرحلة الثانية، وهو تحمل يحتاج إلى تنظيم دقيق يصل فيه الطعام إلى كل فاه.

3 - ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير