ولابن عباس فضل كبير في إحياء تراث العرب شعراً ونثراً باعتماده عليه كثيراً في تفسيره للقرآن العظيم ..
وهو الذي أطلق علي الشعر " ديوان العرب " فيما نعلم ..
- فهاهو يقول كما روى عنه عكرمة:
إذا سألتموني عن غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب. *
*رواه الحاكم 2/ 542 والبيهقي كبرى 10/ 241 وشعب 2/ 257 وابن أبي شيبة في المصنف 6/ 122 رقم 29983 وصححه شعيب الأرنؤوط في المسند 3/ 16 من رواية الفراء في معاني القرآن 3/ 177.
- وعن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران أن ابن عباس كان يسأل عن القرآن كثيراً فيقول: هو كذا وكذا .. أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا.*
*رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 367 بسند حسن عنه.
وهذا قد طبق على نطاق واسع في المنقول عن ابن عباس في تفسيره لغريب القرآن، وأكبر مثل يشهد لذلك، قصته مع نافع بن الأزرق الحروري.*
* قال في ميزان الاعتدال 6/ 7 رقم 8998 نافع بن الأزرق الحروري من رؤوس الخوارج ذكره الجوزجاني في كتاب الضعفاء .. وفي لسان الميزان 6/ 144 - 506 كان نافع هذا من رؤوس الخوارج وإليه تنسب الطائفة الأزارقة وكان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية .. وكان يبطش بالناس وقيل أنه باع أهل البصرة وقصتهم طويلة ومات في جمادي الآخرة سنة خمس وستين.
والحرورية: بفتح الراء نسبة إلى حروراء وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على علي بن أبي طالب منها كما في فتح الباري 8/ 425.
.......... [ثم ذكر المؤلف جملة وافرة من سؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس وخرجها تخريجا موسعا] ..........
ـــ علمه بأسباب النزول
ومن العلوم التي تصاحب التفسير ضرورة، علم أسباب النزول، وهو علم لابد لكل مفسر أن يلم به، ولا يصح تفسير لا يعتمد عليه ..
وإن كان ابن عباس ممن أدركوا الوحي ونزوله، ونقل عن كثير من الصحابة ما كان سببا لنزول بعض الآيات، فإنه كان حريصاً على تتبع هذا العلم الشريف ليكون تفسيره على علم وبينة ..
- فعن أبي سلمة الحضرمي قال سمعت ابن عباس يقول:
كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله r من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله r وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحداً منهم إلا سُر بإتياني لقربي من رسول الله r فجعلت أسأل أبي بن كعب يوماً - وكان من الراسخين في العلم- عما نزل من القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة.*
*رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 369 من طريق الواقدي. وابن عساكر كما في مختصر تاريخ دمشق من ترجمته ولم أقف على سنده.
.......... [ثم ذكر المؤلف جملة وافرة من رواياته في أسباب النزول] ..........
ــ معرفته للتفسير
بعدما علمت ما نقلناه لك فيما مضى، أصبح جلياً أمامك أن ابن عباس كان من أكابر مفسري الصحابة، ومن أوسعهم في حسن تأويله ..
- وقد جاء عن عكرمة وقتادة وابن جريج والضحاك جميعهم عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:) مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ (
قال: أنا من أولئك القليل .. وهم سبعة.*
*رواه عن جمع عنه ابن جرير 15/ 226 والطبراني أوسط 6/ 175 وابن سعد 2/ 365 وصحح أسانيدها ابن كثير والسيوطي في تفسيرهما.
وهو لا يقول هذه الكلمة عجباً أو زهواً، وإنما إحقاقاً لبشارة نبي الهدى والرحمة r له بأن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل كما جاء في الحديث من أول الكتاب ..
وبكلام الأكابر الذين شهدوا له بذلك كما مرت معنا قصصه مع أمير المؤمنين عمر وعلي وكثير من الصحابة الكرام ..
- وقد روى أبو نعيم عن عبد الله بن دينار: أن ابن عمر أتاه رجلاً يسأله عن:
) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا (الأنبياء-30
قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعالى فأخبرني ما قال .. فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس:
كانت السموات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت ففتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره ..
فقال ابن عمر: قد كنت أقول: ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علماً.*
*رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 320 وذكره ابن حجر في الإصابة 4/ 184 وفي سنده حمزة بن أبي محمد قال في التقريب ترجمة رقم 1532 ضعيف.
¥