القبلية فتكون الامور اصعب عليهم من حال الجو فى داخل الكهف.,وكذا كون الجهة البحرية فى قبالتهم وباب الكهف عن اليسار منهم فائدة عظيمة لهم لكى لا يتضررون من الغبار و التراب الذى تذروه الرياح معها عند هبوبها وذلك حتى لا يتخلل انفاسهم وكذا لا يضر بأعينهم حيث انهم كانوا مفتوحى الاعين طوال مدة رقادهم داخل الكهف لقوله تعالى:" وتحسبهم ايقاظا وهم رقود" وسيأتى الكلام عن ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى.
ولكن لما كان باب الكهف محازيا وموازيا للجهة الشمالية امكن تخلل النسيم من خلاله وذلك لسهولة دخول الرياح وتخللها للاشياء حتى وان كان الباب موصدا بحجر او نحوه فان الرياح فى امكانها تخلله لانه بالضرورة غير محكم الغلق تماما لانه لا يتأتى ذلك من الحجر او نحوه عند وضعه فى فتحة باب.,بل لابد من وجود فتحات صغيرة بينه وبين جوانب الباب يتخلل منها نور الشمس و نسيم الهواء وفى ذات الوقت يستصعب دخول التراب وما تذريه الرياح من الباب.
وقوله تعالى:"وتحسبهم ايقاظا وهم رقود "
حسب: اذا غلب على الظن ودائما ما يكون عكس الحقيقة.,قال تعالى:"لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" وقال تعالى:"يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف" وقال تعالى:" ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم" وقال تعالى:"ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون"وقال تعالى:" ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" وقال تعالى:" ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين"وقال تعالى:" فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون".
وجميع المواضع التى ذكر فيها فى القران جاءت بنفس المعنى.,وقوله"ايقاظا" قال الزجاج: اى منتبهين وواحده يقظ ويقظان.,وهو المنتبه.,وقوله"وهم رقود" جملة فى موضع الحال من "هم" فى"تحسبهم"اى فى حال رقاد والمعنى: اى يغلب على ظنك اذا رأيتهم انهم منتبهين فى رقادهم او حال رقادهم ولكنهم ما كانوا كذلك., وعلامة اليقظان فتح العين وهو خلاف ما يكون من النائم من غلق لها.,و قد وهم من لم يجعل"وهم رقود"فى موضع الحال وذلك لتفسيره لمعنى "رقود" بالنيام وهو ليس بالصحيح.,وذلك لاختلاف المعنى بينهما.,ولغة القران دقيقة وليس في الفاظها ترادف.,بل تجىء كل كلمة فى موضعها والذى لا يتأتى من غيرها والكل" بلسان عربى مبين".,فلو كان "رقود" بمعنى نيام ما كان قد قال "وتحسبهم ايقاظا" لان اليقظان وهو المنتبه يكون مفتوح العينين.,وهو ليس الحال مع النائم لانه يكون مغلق العينين.,وقد قال الشاعر حميد بن ثور الهلالى فى بيت يصف فيه الذئب:
ينام باحدى مقلتيه, ويتقى بالاخرى المنايا, فهو يقظان نائم
فلو كان المعنى كما زعم البعض:انك تحسبهم منتبهين مع انهم- او رغم انهم- نيام .. , لكان فى الكلام- معاذ الله- تضارب.,وما كان يليق بلغة القران وهو"الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" .. ,و قد جاء ذكر النوم فى مواضع من القران كقوله تعالى"اذ يريكهم الله فى منامك قليلا" و قال تعالى"قال يا بنى انى ارى فى المنام انى اذبحك" فالرؤية ان وقعت فى المنام لا تكون بالعين بل ولا تقع الا اذا كانت العين مغلقة فى الاحوال العادية للمرء حال النوم و لانه لا استعمال لها اثناء الرؤية حال النوم وهذا ظاهر لا جدال فيه .. ,وقد ذكر الرقاد فى القران فقط فى موضع اخر غير هذا الموضع فى"وهم رقود".,وذلك فى قوله تعالى:
"قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون"
ومما لا يخفى على كل ذى عقل ان الناس لا ينامون فى قبورهم ولا يقومون من النوم عند بعثهم للحساب., ورقد رقدا ورقودا ورقادا وهو: اذا اخذ الجسم موضع مستوى على الارض او الفراش او غير ذلك .. ,و ويجوز ان يأخذ النائم موضع الرقاد ولكن ذلك ليس بالضرورة فى جميع احوال النائم., كأن ينام جالسا او متكئا ,ومن ذلك قولهم:النوم على غير هيئة المتمكن ,وجزم الشافعية على انها من نواقض الوضوء.,وكذا ليس كل راقد بنائم وهذا معلوم لا لبس فيه.,وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى"وتحسبهم ايقاظا وهم رقود":اى يغلب على ظنك اذا رأيتهم انهم منتبهين لأنهم كانوا
¥