تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن كثير: وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عاداه، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عام في الدنيا والآخرة. وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئًا، ولا يتكلم أحدًا إلا بإذنه كما قال تعالى: ? يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ?، وقال تعالى: ? وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ?، وقال تعالى: ? يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ?، وقال الضحاك عن ابن عباس: ? مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ? يقول: لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكمًا كملكهم في الدنيا قال: و ? يَوْمِ الدِّينِ ? يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، إلا من عفا عنه.

قوله عز وجل: ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ?.

أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? فالأول: تبرؤ من الشرك، والثاني: تبرؤ من الحول والقوة، وتفويض إلى الله عز وجل، وهذا كثير في القرآن، قال تعالى: ? فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ?، وقال تعالى: ? هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ?، وقال تعالى: ? رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ?، قال ابن عباس: ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ ?، يعني إياك نوحد ونخاف، ونرجوك يا ربنا لا غيرك. ? وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ?، على طاعتك وعلى أمورنا كلها. قال البغوي: (والعبادة الطاعة مع التذلل والخضوع، وسمي العبد عبدًا لذلته وانقياده).

قوله عز وجل: ? اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ?.

قال ابن كثير: لمّا تقدم الثناء على المسئول تبارك وتعالى، ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: (فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)، وهذا أكمل أحوال السؤال، أن يمدح مسئوله، ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين، والهداية ها هنا: الإرشاد والتوفيق.

وقال البغوي: وهذا الدعاء من المؤمنين، مع كونهم على الهداية، بمعنى التثبيت، وبمعنى طلب مزيد الهداية، لأن الألطاف والهدايات من الله لا تتناهى.

وقال ابن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل، على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح، الذي لا اعوجاج فيه، وقال مجاهد: ? اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ?، قال: الحق.

وروى الإِمام أحمد وغيره عن النواس بن سمعان، عن رسول الله ? قال: «ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جانبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا؛ وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإِنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن فتحته تلجه. فالصراط: الإِسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم».

قوله عز وجل: ? صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ?.

أي: مننت عليهم بالهداية والتوفيق للإيمان، والاستقامة عليه من النبيين والمؤمنين، قال الضحاك عن ابن عباس: ? صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ?، بطاعتك، وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك، والصديقين، والشهداء، والصالحين؛ وذلك نظير ما قال ربنا تعالى: ? وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ?.

قوله عز وجل: ? غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ?.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير