وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
وقوله تعالى: {أَتْرَاباً} جمع ترب بكسر التاء، والترب اللذة. وإيضاحه أن ترب الإنسان ما ولد معه في وقت واحد، ومعناه في الآية: أن نساء أهل الجنة على سن واحدة ليس فيهن شابة وعجوز، ولكنهن كلهن على سن واحدة في غاية الشباب.
وبعض العلماء يقول: إنهن ينشأن مستويات في السن على قدر بنات ثلاثة وثلاثين سنة، وجاءت بذلك آثار مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكون الأتراب بمعنى المستويات في السن مشهور في كلام العرب.
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب
وهذه الأوصاف الثلاثة التي تضمنتها هذه الآية الكريمة من صفات نساء أهل الجنة، جاءت موضحة في آيات أخر.
أما كونهن يوم القيامة أبكارا، فقد أوضحه في سورة الرحمن في قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] , في الموضعين لأن قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} نص في عدم زوال بكارتهن، وأما كونهن {عُرُباً} أي متحببات إلى أزواجهن، فقد دل عليه قوله في الصافات: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات:48] , لأن معناه أنهن قاصرات العيون على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لشدة محبتهن لهم واقتناعهن بهم، كما قدمنا إيضاحه، ولا شك أن المرأة التي لا ينظر إلى غير زوجها متحببة إليه حسنة التبعل معه.
وقوله في ص: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [صّ:52]، وقوله في الرحمن: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56]، وأما كونهن {أَتْرَاباً} فقد بينه تعالى في قوله في آية ص هذه، {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ}، وفي سورة النبأ في قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً, حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً, وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:31 - 33].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} يتعلق بقوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ}، وقوله: {فَجَعَلْنَاهُنَّ} أي: أنشأناهن وصيرناهن أبكارا لأصحاب اليمين.
قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ, فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ, وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:41 - 43].
قد قدمنا معنى أصحاب الشمال في هذه السورة الكريمة، وأوضحنا معنى السموم في الآيات القرآنية التي يذكر فيها في سورة الطور، في الكلام على قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27].
وقد قدمنا صفات ظل أهل النار وظل أهل الجنة في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} [النساء:57] , وبينا هناك أن صفات ظل أهل النار هي المذكورة في قوله هنا: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} وقوله في المرسلات: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ, لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31].
وقوله: {مِنْ يَحْمُومٍ} أي من دخان أسود شديد السواد ووزن اليحموم يفعول، وأصله من الحمم وهو الفحم، وقيل: من الحم، وهو الشحم المسود لاحتراقه بالنار.
قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ, فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [الطور:26 - 27].
قوله تعالى: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
لما ذكر جل وعلا ما أعد لأصحاب الشمال من العذاب، بين بعض أسبابه، فذكر منها أنهم كانوا قبل ذلك في دار الدنيا {مُتْرَفِينَ} أي متنعمين، وقد قدمنا أن القرآن دل على أن الإتراف والتنعم والسرور في الدنيا من أسباب العذاب يوم القيامة، لأن صاحبه معرض عن الله لا يؤمن به ولا برسله، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً, وَيَصْلَى سَعِيراً, إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:10 - 13]، وقد أوضحنا هذا في الكلام على آية الطور المذكورة آنفا.
¥