تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كون إنكار البعث سببا لدخول النار، لأن قوله تعالى لما ذكر أنهم: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ, وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ}، بين أن من أسباب ذلك أنهم قالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً} جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الرعد:5].

وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [الفرقان:11]، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من إنكارهم بعث آبائهم الأولين في قوله: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} وأنه تعالى بين لهم أنه يبعث الأولين والآخرين في قوله: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} جاء موضحا في غير هذا الموضع، فبينا فيه أن البعث الذي أنكروا، سيتحقق في حال كونهم أذلاء صاغرين، وذلك في قوله تعالى في الصافات {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ, أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ, أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ, قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ, فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات:15 - 19].

وقوله: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ}، قرأه عامة القراء السبعة، غير ابن عامر وقالون عن نافع: "أَوَآبَاؤَنَا" بفتح الواو على الاستفهام والعطف، وقد قدمنا مرارا أن همزة الاستفهام إذا جاءت بعدها أداة عطف كالواو والفاء، وثم نحو {أَوَآبَاؤُنَا} , {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} [الأعراف:97] , {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} [يونس:51]، أن في ذلك وجهين لعلماء العربية والمفسرين:

الأول منهما: أن أداة العطف عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام على ما قبلها، وهمزة الاستفهام متأخرة رتبة عن حرف العطف، ولكنها قدمت عليه لفظا لا معنى لأن الأصل في الاستفهام التصدير به كما هو معلوم في محله.

والمعنى على هذا واضح وهو أنهم أنكروا بعثهم أنفسهم بأداة الإنكار التي هي الهمزة، وعطفوا على ذلك بالواو إنكارهم بعث آبائهم الأولين، بأداة الإنكار التي هي الهمزة المقدمة عن محلها لفظا لا رتبة، وهذا القول هو قول الأقدمين من علماء العربية، واختاره أبو حيان في البحر المحيط وابن هشام في مغني اللبيب، وهو الذي صرنا نميل إليه أخيرا بعد أن كنا نميل إلى غيره.

الوجه الثاني: هو أن همزة الاستفهام في محلها الأصلي، وأنها متعلقة بجملة محذوفة، والجملة المصدرية بالاستفهام معطوفة على المحذوفة بحرف العطف الذي بعد الهمزة، وهذا الوجه يميل إليه الزمخشري في أكثر المواضع من كشافه، وربما مال إلى غيره.

وعلى هذا القول، فالتقدير: أمبعوثون نحن وآباؤنا الأولون؟ وما ذكره الزمخشري هنا من أن قوله: وآباؤنا معطوف على واو الرفع في قوله: {لَمَبْعُوثُونَ}، وأنه ساغ العطف على ضمير رفع متصل من غير توكيد بالضمير المنفصل لأجل الفصل بالهمزة لا يصح، وقد رده عليه أبو حيان وابن هشام وغيرهما.

وهذا الوجه الأخير مال إليه ابن مالك في الخلاصة في قوله:

وحذف متبوع بداهنا استبح وعطفك الفعل على الفعل يصح

وقرأ هذا الحرف قالون وابن عامر: "أو آباؤنا" بسكون الواو، والذي يظهر لي على قراءتهما أو بمعنى الواو العاطفة، وأن قوله: {آبَاؤُنَا}، معطوف على محل المنصوب الذي هو اسم إن، لأن عطف المرفوع على منصوب إن بعد ذكر خبرها جائز بلا نزاع، لأن اسمها وإن كان منصوبا فأصله الرفع لأنه مبتدأ في الأصل، كما قال ابن مالك في الخلاصة:

وجائز رفعك معطوفا على منصوب إن بعد أن تستكملا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير