وإنما قلنا إن أو بمعنى الواو، لأن إتيانها بمعنى الواو معروف في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً, عُذْراً أَوْ نُذْراً} [المرسلات:5 - 6] , لأن الذكر الملقى للعذر، والنذر معا لا لأحدهما، لأن المعنى أنها أتت الذكر إعذارا وإنذارا، وقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان:24] , أي ولا كفورا، وهو كثير في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ما بين ملجم مهرة أو سافع
فالمعنى ما بين الملجم مهره وسافع: أي آخذ بناصيته ليلجمه، وقول نابغة ذبيان:
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا لى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما زعمت ستا وستين لم تنقص ولم تزد
فقوله: أو نصفه بمعنى ونصفه كما هو ظاهر من معنى البيتين المذكورين، لأن مرادها أنها تمنت أن يكون الحمام المار بها هو ونصفه معه لها مع حمامتها التي معها، ليكون الجميع مائة حمامة، فوجدوه ستا وستين ونصفها ثلاث وثلاثون، فيكون المجموع تسعا وتسعين، والمروي في ذلك عنها أنها قالت:
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه
ونصفه قديه تم الحمام مايه
وقول توبة بن الحمير:
قد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} جمع عامة القراء على ثبات همزة الاستفهام في قوله: {أَإِذَا مِتْنَا} وأثبتها أيضا عامة السبعة غير نافع والكسائي في قوله: {أَإِنَّا} وقرأه نافع والكسائي: "إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ"، بهمزة واحدة مكسورة على الخبر، كما عقده صاحب الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع بقوله:
فصل واستفهام إن تكررا فصير الثاني منه خبرا
واعكسه في النمل وفوق الروم ............................ إلخ
والقراآت في الهمزتين في {أَإِذَا} و {أَإِنَّا} معروفة، فنافع يسهل الهمزة الثانية بين بين. ورواية قالون عنه هي إدخال ألف بين الهمزتين الأولى المحققة والثانية المسهلة.
ورواية قالون هذه عن نافع بالتسهيل والإدخال مطابقة لقراءة أبي عمرو، فأبو عمرو وقالون عن نافع يسهلان ويدخلان، ورواية ورش عن نافع هي تسهيل الأخيرة منهما بين بين من غير إدخال ألف. وهذه هي قراءة ابن كثير وورش فابن كثير وورش يسهلان ولا يدخلان.
وقرأ هشام عن ابن عامر بتحقيق الهمزتين، وبينهما ألف الإدخال.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر بتحقيق الهمزتين من غير ألف الإدخال، هذه هي القراآت الصحيحة، في مثل "أَءِذَا" و "أَءِنَّا" ونحو ذلك في القرآن.
تنبيه:
اعلم وفقني الله وإياك أن ما جرى في الأقطار الافريقية من إبدال الأخيرة من هذه الهمزة المذكورة وأمثالها في القرآن هاء خالصة من أشنع المنكر وأعظم الباطل، وهو انتهاك لحرمة القرآن العظيم، وتعد لحدود الله، ولا يعذر فيه إلا الجاهل الذي لا يدري، الذي يظن أن القراءة بالهاء الخالصة صحيحة، وإنما قلنا هذا لأن إبدال الهمزة فيما ذكر هاء خالصة لم يروه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل عليه به جبريل البتة، ولم يرو عن صحابي ولم يقرأ به أحد من القراء، ولا يجوز بحال من الأحوال، فالتجرؤ على الله بزيادة حرف في كتابه، وهو هذه الهاء التي لم ينزل بها الملك من السماء البتة، هو كما ترى، وكون اللغة العربية قد سمع فيها إبدال الهمزة هاء لا يسوغ التجرؤ على الله بإدخال حرف في كتابه, لم يأذن بإدخاله الله ولا رسوله.
ودعوى أن العمل جرى بالقراءة بالهاء لا يعول عليها، لأن جريان العمل بالباطل باطل، ولا أسوة في الباطل بإجماع المسلمين، وإنما الأسوة في الحق، والقراءة سنة متبعة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا خلاف فيه.
وقوله تعالى: {مِتْنَا}، وقرأه ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو وشعبة عن عاصم: "مُتْنَا" بضم الميم وقرأه نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم {مِتْنَا} بكسر الميم، وقد قدمنا مسوغ كسر الميم لغة في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}.
ـ[ابو فراس المهندس]ــــــــ[23 - 06 - 10, 12:12 م]ـ
الخميس.
> 24/ 06/2010.