تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَلَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.

لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين في الآية المتقدمة، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم خبرا مؤكدا بأن الأولين والآخرين كلهم مجموعون يوم القيامة للحساب والجزاء بعد بعثهم.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من بعث الأولين والآخرين وجمعهم يوم القيامة جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9]، وقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء:87] , وقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران:9]، وقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} [هود:103] , وقوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات:38]، وقوله تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:47].

وقد قدمنا هذا موضحا في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر:17].

قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.

قد قدمنا إيضاح هذا وتفسير في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات:67].

قوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ}.

النزل بضمتين: هو رزق الضيف الذي يقدم له عند نزوله إكراما له، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف:107]، وربما استعملت العرب النزول في ضد ذلك على سبيل التهكم والاحتقار، وجاء القرآن باستعمال النزول فيما يقدم لأهل النار من العذاب كقوله هنا: في عذابهم المذكور في قولهم: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} إلى قوله: {شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ} أي هذا العذاب المذكور هو ضيافتهم ورزقهم المقدم لهم عند نزولهم في دارهم التي هي النار، كقوله تعالى للكافر الحقير الذليل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49].

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من إطلاق النزول على عذاب أهل النار، جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله في آخر هذه السورة الكريمة: {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ, وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:93 - 94]، وقوله تعالى في آخر الكهف: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} [الكهف:102]، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي السعد الضبي:

وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا

وقوله: {يَوْمَ الدِّينِ} أي يوم الجزاء كما تقدم مرارا.

قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ}.

لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين، وأمر الله رسوله أن يخبرهم أنه تعالى باعث جميع الأولين والآخرين، وذكر جزاء منكري البعث بأكل الزقوم وشرب الحميم، أتبع ذلك بالبراهين القاطعة الدالة على البعث فقال: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} هذا الخلق الأول {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} , أي فهل لا تصدقون بالبعث الذي هو الخلق الثاني، لأن إعادة الخلق لا يمكن أن تكون أصعب من ابتدائه كما لا يخفي.

وهذا البرهان على البعث بدلالة الخلق الأول على الخلق الثاني، جاء موضحا في آيات كثيرة جدا كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:5] وقوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79]، وقوله تعالى: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:51]، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وقد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير