تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إنه لم يكن لأبيه نوح رد فعل إيجابي على ما فعله الشيخ؛ بل كان له رد فعل سلبياً، فلم يحبذ اشتغال ولده بالحديث، بل كان يضيق ذرعاً بما يفعله ولده ويقول: [علم الحديث صنعة المثل] وفعلاً أكثر المحدثين كانوا فقراء؛ لأن الحديث يحتاج إلى رحلة، والرحلة تحتاج إلى نفقة وشراء حبر وأقلام، وانصراف عن الدنيا، إلا الشيء اليسير. ولكن لما حبب الله للشيخ هذا العلم انطلق فيه، ولا زال الشيخ يعرف لمحمد رشيد رضا هذا الفضل ويشير إلى ذلك في مؤلفاته.

عمله في النجارة:

لقد اتجه الشيخ في البداية إلى النجارة، فتعلمها من خاله ومن شخصٍ آخر في دمشق يكنى بأبي محمد فعمل بالنجارة سنتين، ثم لاحظ أن هذه الصنعة تهد القوة وتشغل كثيراً فلم ينجذب إليها؛ ولكن لكسب العيش اشتغل في ترميم البيوت القديمة، وفي الشتاء يتعطل عمل النجارة فيمر على والده في دكان إصلاح الساعات، وكان أبوه صاحب صنعة في هذا المجال فاقترح والده عليه أنه ما دام في الشتاء يتعطل عمل النجارة؛ فليعمل معه في إصلاح الساعات فوافق الشيخ فتعلم إصلاح الساعات على يدي أبيه ثم فتح دكاناً خاصاً به.

نبذه للتعصب المذهبي وإقباله على اتباع الدليل:

كان الشيخ يعيش جواً حنفياً متعصبا ً، وكان والده من بني الأرنؤوط يعتبر مرجعاً في الفقه الحنفي فيستفتونه ويسألونه، وكان الشيخ قد رزق اتجاهاً آخر؛ ولكن لم يعجب أبوه ذلك كما تقدم، فلم يشجعه على اتجاهه الجديد، وبدأت المفارقات، والاختلافات في التوجهات، فلما رزق الشيخ دراسة السنة والأحاديث بدأ يطلع على الخلل والأخطاء الموجودة أمامه في البيئة على ضوء الأحاديث التي يدرسها ويقرؤها؛ فمثلاً: كان يصلي في المسجد الأموي، وفيه قبر، فاطلع الشيخ على أحاديث في تحريم اتخاذ المساجد على القبور، وعند ذلك بدأ يراجع نفسه في الصلاة في المسجد الذي فيه القبر، ثم ترك الصلاة في المسجد الذي فيه؛ وكتب نواةً لكتابه العظيم: [تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد].

ثم أتت مسألة أخرى وهي: تعدد الجماعات في المسجد، فجامع التوبة الذي كان بجوار منزل والده، كان يؤم فيه الشيخ: البرهاني الحنفي وإذا غاب وكّل والده، وفي العهد العثماني قديماً كان الأحناف يصلون قبل الشافعية؛ لأن مذهب العثمانيين كان حنفياً وهذه من سيئات التعصب المذهبي، فلم يكن المصلون يصلون جماعة واحدة، إنما كل أصحاب مذهب يصلون جماعة منفصلة، وكان في بعض المساجد يوجد أربعة محاريب؛ لكل مذهبٍ محراب، فلما رأى الشيخ هذا الوضع في مسجد واحد؛ من أنه لا يصلي هؤلاء وراء هؤلاء، ولا هؤلاء وراء هؤلاء!! بحث المسألة فتبين له أنه لا بد أن يصلي في الجماعة الأولى، وكان قد وصل إلى سدة الحكم / تاج الدين بن بدر الدين الحسيني، وكان محدث عصره حينئذ، وكان شافعي المذهب فلما صارت له مقاليد الأمور قدم جماعة الشافعية على الأحناف في الصلاة، فصار الشافعية يصلون قبل الأحناف، فكان الشيخ يصلي مع الجماعة الأولى، وهم الشافعية، وأبوه كان يصلي مع الجماعة الثانية، فبدأت المشاكل، فالأب يرى الولد يخالفه، بل ولا يصلي وراءه ويصلي في الجماعة الأخرى فكادت تقوم قيامته؛ بسبب مخالفة ولده لمذهبهم، ومع هذا كان الشيخ ماض في سبيله؛ ثم إنه حصل أنه غاب البرهاني فاستناب والد الشيخ .. فصار إمام الأحناف والد الشيخ فازدادت المسألة سوءً من أن الولد لا يصلي وراء أبيه، ثم أراد والد الشيخ أن يسافر فأناب الألباني، فاعتذر الشيخ وقال: أنت تعرف رأيي أنا أصلي في الجماعة الأولى فكيف أصلي في الجماعة الثانية! وبتحريك من بعض الحاقدين والحاسدين تطورت القضايا وازدادت المشكلات حتى أن الوالد جلس ذات مرة واستدعى ابنه ثم وضعه في زاوية الغرفة ثم قال له: [أسمع ولا تغضب]، ثم قال له: [هل صحيح أنك غيرت مذهبك ولم تعد حنفياً- وهو يقترب من الشيخ شيئاً فشيئا ً، ويرتفع صوته! - فقال الشيخ: أنا لم أسمع بهذا من قبل - حاول تهدئة الأمور، ولكن في النهاية قال له أبوه- اسمع: إما الموافقة وإما المفارقة] فاستمهله ثلاثة أيام؛ ثم قرر الشيخ أن ينتقل إلى مسكن آخر، وهو لا يملك درهماً ولا ديناراً، فقدم له والده خمساً وعشرين ليرة سورية، وكان الشيخ في ذلك الوقت قد أسس نواةً من أصحابه الدعاة، وكان أحدهم له حانوت يبيع فيه الحبوب، فاستأجر الشيخ في نفس المكان دكاناً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير