تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

له، واقترض مائتي ليرة حتى استطاع استئجار المحل، وبدأ بتصليح الساعات، وكان عمره حينئذ قد جاوز العشرين بسنة أو سنتين، وفي هذا العمر كتب كتاب: الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير، والكتاب لم يطبع إلى الآن، وإنما هو من المخطوطات، والشيخ ينقح ويزيد ويصحح طيلة حياته.

اتباعه للحق ولو خالف أقرب الناس:

إن اتباع الحق مبدأ من مبادئ الإسلام العظيمة، فإنه قد جاء في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم-: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وكما قدمنا ذلك في نبذ الشيخ للتعصب وإقباله على اتباع الحق ومخالفته لأقرب الناس وهو أبوه، ولكنا نشير هنا إلى مسألة مهمة وهي: أهمية مداراة الأب أو الكبير في العائلة في مثل هذا الظرف الحرج، فبعض الشباب يهديهم الله -عز وجل- في البيوت، يتمسكون بالإسلام ويمتنعون عن المحرمات، ويغشون المساجد، وحلق العلم، ويعملون الطاعات والقربات، وقد لا يروق ذلك لبعض آبائهم الذين يرون أن توجه الولد صار فيه شططا وغلوا، أو أنه تزمت في نظرهم! أوأن هذا ليس في مصلحته فيقوم على ولده، فيوبخه ويغلبه ما أشبه ذلك؛ بل ربما لم يعطه بعض حقوقه فما هو الحل؟ الحل أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن لا بد من مداراة للأب؛ لأنه أب قال الله: ((فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً)) ولم تزل علاقة الشيخ بأبيه طيبة، ولم تحصل قطيعة كاملة، ولكن أباه أعلن عن عدم رضاه عن توجه ولده، ثم حوّل الشيخ دكانه إلى مجلس علم، شأنه في ذلك شأن الصحابة الذين لم يكن ينفصل عندهم طلب الرزق عن طلب العلم، وقد حدثني أحد الإخوان وكان حديثه بعد وفاة الشيخ فقال: [كنت أدرس في مدرسة ثانوية داخلية، فلم يكونوا يسمحوا لنا بالخروج إلى أي مكان، وكنا نسمع عن الألباني كثيراً، وكان مما سمعناه عنه أنهم يشوهون سمعته ويقولون: هذا الوهابي وهذا وهذا، ولو علموا أننا نذهب إليه لعاقبونا عقاباً شديدا ً، فكنا نحتال للذهاب إليه في الدكان بحجة تصليح الساعات فنقول: الساعة تعطلت وتحتاج إلى إصلاح ثم نذهب إلى الشيخ في الدكان فنجلس عنده، فيسمعنا شيئاً من أحاديث الأربعين النووية، أو شيئاً من كتاب سبل السلام للصنعاني، وإذا كانت الساعة معطلة أصلحها لنا مجاناً، ويرفض أن يأخذ أجرة التصليح مع فقره وحاجته، ويقول: أنتم طلبة علم، كيف آخذ منكم؟! وبعض شبابنا اليوم يقولون: تتعارض الوظيفة مع الدراسة، وتتعارض الأعمال مع طلب العلم، فنقول: لابد من إيجاد مجالا للتوفيق، والأعمال الحرة أوسع مجالاً في التوفيق من الأعمال الوظيفية، فقد لا تستطيع أن تقرأ في الوظيفة أشياءً من العلم، مع أن بعض الناس يضيعون الأوقات في قراءة الجرائد والأشياء التافهة، وربما قرأ بعضهم الليل كله في هذه الأمور التافهة فيدخل في مواقع الإنترنت ويسرح ويمرح معها ثم تذهب الساعات بلا فائدة! مع أنه قد يوجد في هذه الشبكة من المواقع العلمية - نسأل الله أن تزداد - ما يمكن لصاحب المكتب من أن يطلع في أثناء الفراغ، أو في وقت الغداء إذا كان جاداً وصاحب همة على شيء كثير فيقرأ ويستفيد.

سعيه لطب القوت الضروري:

يقول الشيخ: [إن والده كان يمر عليه في الدكان ويطمئن عليه، وفي ذات مرة قال له: أنا لا أنكر أنني استفدت منك] وكان للشيخ أخ يقال له: محمد ناجي يعمل نجاراً مع كونه عامياً؛ ولكنه كان يحفظ كلام أخيه، ثم يذهب إلى المصنع وينشره على الموظفين في المصنع، حتى صار شيخهم من كثرة ما يسمع وينقل عن أخيه.

ولما كبرت الحلقة في الدكان الصغير استأجر الشيخ مع مجموعة من إخوانه محلاً لإلقاء الدروس! فصار عنده شيئا من الفسحة في محله، يقول الشيخ: [من توفيق الله – تعالى- وفضله علي أن وجهني منذ أول شبابي إلى تعلم هذه المهنة - وهي إصلاح الساعات- ذلك أنها حرة لا تتعارض مع جهودي في علم السنة، فقد أعطيت لها من وقتي ثلاث ساعات زمنية فقط، ما عدا الثلاثاء والجمعة، وهذا القدر يمكنني من الحصول على القوت الضروري لي وأطفالي] أي على طريقة الكفاف، فإن من دعائه -عليه الصلاة والسلام-: (اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً) فكان رزقه كفافاً لا يزيد ولا ينقص.

الألباني في المكتبة الظاهرية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير