تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما صار الشيخ يحتاج إلى مزيد من الكتب تيمم شطر المكتبة الظاهرية، والتي كانت خزانة للمخطوطات والكتب، ومستودعاً عظيماً لها، فصار يقرأ فيها، ويمكث الساعات الطوال، من ثمان إلى اثنتي عشرة ساعةفي اليوم؛ حدثني تلميذه محمد عيد العباسيفيقول: [إن الشيخ كان يفتح دكانه أحياناً يومين فقط في الأسبوع لكسب العيش، والباقي في المكتبة]، فكان يجلس على طاولة فوقها المخطوطات، والطاولة تتسع لأربعة أشخاص فكان لا يعجب ذلك بعض الحاضرين؛ لأنه لم يبق مكانا لأحد يجلس عليها، فوجه المسؤولون على المكتبة الظاهرية الشيخ إلى غرفة صغيرة فيها، وأعطوه مفتاحها، فكان يجعل فيها المراجع حتى لا يتعب الموظفون بإحضار الكتب ونقلها، وتركوا عنده بعض المخطوطات، ولعل الجامعة في دمشق كانت قد طلبت منه عمل شيء من البحث، وكانت الغرفة مقابل عمل هذا البحث، وكان مع الشيخ مفتاح فيأتي ويدخل ويقرأ.

وكان الشيخ –رحمه الله- ذا صبر وجلد عظيم على القراءة.

ومشكلة الشباب اليوم أنهم لا يستطيعون ولو جزءاً مما كان يفعله الشيخ-رحمه الله- ولو قلت لواحد: اقرأ ساعة يومياً لقال: لا أستطيع!.

بل وللأسف لقد أغرق الشباب في أشرطة الأناشيد والمسابقات والأشياء الخفيفة، وأعرضوا عن العلم الجاد، وعن القراءة في كتب السلف واكتفوا "بالسندوتشات" من هذه الكتيبات الخفيفة، فهذا حدهم في العلم. ومما لا شك فيه أن هذه كارثة أن يتدهور مستوى الإنسان العلمي فيصبح مجموعة أشرطة أناشيد، وبعض الكتيبات التي حتى لم تعد تطاق وصار زادهم في مطويات جديدة، حضراً وسفراً، ولذلك فإنه يجب أن نحمل أنفسنا على الجلد في طلب العلم النافع، وأن نعلم أن هؤلاء العظماء ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالجلد في الطلب، وكان الشيخ يقف على سلم المكتبة الظاهرية، ويصعد عليه، ويبحث في الرفوف العلوية، ويبقى ساعات طويلة فوق السلم، وهذه وقفة ليست مريحة على الإطلاق! وإنماهي متعبة أكثر من الوقوف على الأرض، فيقف الشيخ على السلم، ويأخذ، ويقرأ، ويبحث، ويدون.

وكان مشغوفاً بالكتابة فكانينقل الأسانيد، فلقد كتب في الكراريس الكبيرة:تقريب السنة بين يدي الأمة؛ ما يقارب أربعين ألف حديث، وعكف على جمع الطرق من هذا الكتاب، ومن ذاك الكتاب؛ قراءة وكتابة! وهكذا وصل الشيخ إلى ما وصل إليه.

رزق القناعة في الدنيا:

هذه مسألة مهمة فإن عدداً من الشباب اليوم لم يعطوا القناعة في الدنيا بل لقد أصبحوا يجرون وراء الدنيا، وإذا جروا وراءها ماذا يبقى للدين والعلم؟! فلو كان عند هم قناعة لم يقلدوا أحداً في التحف التي يضعونها في بيوتهم؛ والإجازات التي يقضونها في البلدان الأخرى، ومحاولة تقليد ما عند فلان وفلان! والتأثر بالزوجات والنساء!! فلو كان هناك قناعة لبقيت أوقات لطلب العلم، ولكن عندما تضيع الأوقات في اللهو واللعب، وفي الانشغال بالدنيا من جراء عدم القناعة، فإن ذلكسيضعف طلب جانب العلم والجد والقراءة وحضور الدروس.

عالما وداعية إلى الله:

انطلق الألباني في مسيرته العلمية المباركة في الجمع والقراءة، والكتابة؛ ولكنه رزق اتجاهاً دعوياً عزيزاً في ذلك الوقت، فكان يتجول للدعوة إلى عقيدة السلف من الدكان إلى الدار التي استأجروها؛ إلى الجولة في دمشق، ثم بقية بلدان سورية ومدنها؛ من حلب، وحمص، وحماه، واللاذقية، وهكذا، وكان للشيخ دراجة هوائية يتنقل عليها للدعوة، ولم يكن عنده قيمة سيارة في ذلك الوقت، ولأول مرة رأى الدمشقيون شيخاً يعتم عمامة بيضاء مكورة، ويركب دراجة هوائية؛ حتى أنه كان هناك شخص لعله نصراني يصدر مجلة اسمها: المضحك المبكي؛ ذكر في الغرائب والنكت - من المجلة - أن هناك شيخاً يركب دراجة هوائية.

ولما تبين للشيخ أن لبس العمامة ليس سنة عبادة ترك ذلك ولم يكن يلبس اللبس الإفرنجي، وإنما يلبس لبساً مما يلبسه المسلمون.

ومما ساعد الشيخ على التفرغ أن رجلاً فلسطينياً أتى بابنٍ له إلى الشيخ في الدكان ثم قال له: [أريد أن يتعلم ولدي هذه الصنعة؛ حتى يسترزق منها؛ فقال الشيخ: أنا أعلمه بشرط أن لا يجلس عندي شهرين, أو ثلاثة ثم يذهب ولكن يساعدني فيما استفاد منه، فإذا أنا غبت يجلس مكاني في الدكان].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير