ومن مناقشاته التي حصلت أنه جاءه مرة أناس من الذين اشتغلوا بالتكفير، فقال للألباني: [أنتم مبتدعة، تقولون: الكفر كفران، ما وجدنا هذا في الكتاب ولا في السنة، فالكفر كفر واحد والظلم ظلم واحد، فينبني عليه تكفير أي واحد حلف بغير الله، فقال الشيخ: تقول أنت الظلم واحد؟! قال: نعم، قال: تثبت على هذا، قال: نعم، قال: يا فلان هات المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، ففتحه! اقرأ يا فلان! فقرأ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ... ) فقال الشيخ: تعرف هذا ماذا يكون على كلامك [اللهم إني كفرت كفراً كبيراً وأشركت شركاً كبيراً فاغفر لي ذنبي]. فتراجع فوراً، والآخر عاند! فقال الشيخ من يومها: [هذا لا خير فيه] ثم مرت الأيام فصار زنديقاً شيوعياً.
وتناظر مرة مع الشيخ عبد العزيز بن باز في مسألة وجوب التمتع في الحج، وكان الشيخ ابن باز موجوداً، ولما جاءت مسألة هل التمتع واجب، قال الشيخ ابن باز - رحمه الله-: هل الشيخ ناصر موجود في المجلس؟! لأن الشيخ أعمى فقالوا: موجود فضحك وتكلم الشيخ ابن باز في استحباب التمتع وليس في وجوبه، ثم تكلم الشيخ الألباني في وجوب التمتع وسكتا، فما كان في مهاترات إطلاقاً.
الألباني يثني على خمسة:
كان يثني على خمسة: ابن باز أولهم وأنه لم ير مثله في العلم. وتقي الدين الهلالي، وصفي الدين المباركفوري شارح المشكاة، وبديع الدين السندي، ولعل الآخر الشنقيطي، وكان الألباني يمتدح الشنقيطي في إخلاصه ودينه، ويقول: [كأني أرى ابن تيمية في استحضاره].
ابن باز يشبه أبو بكر والألباني يشبه عمر:
ولو جمعنا تسامح ابن باز في الخلاف بحزم الألباني وصرامته في القضايا، لنشأ مزيج عجيب؛ لأن الشيخ ابن باز - رحمه الله- كان كثيراً ما يقول: [المسألة فيها سعة]، والشيخ الألباني عنده حدة وشدة، ولو أن الشيخ الألباني أخذ بشيء من السماحة في الرأي المخالف، واتسع عنده الخلاف المعتبر؛ للاقى قبولاً أعظم وأكثر.
وإذا كان للشيخ - رحمه الله- شيء من الحدة، فيجب أن لا يتأثر بها سلبياً من يقرأ له، فإن بعض الشباب يقرؤون للألباني ويأخذون شيئاً من حدته، وليس عندهم علم بالشيخ؛ بل يأخذون عبارات لا تليق بهم، فالشيخ الألباني بعد عشرات السنين في العلم يقول مثلاً: [فاظفر بهذا البحث فلعلك لا تجده في غير هذا الموضع]، فيأتي واحد في العشرينات من عمره فيكتب: [فاظفر بهذا البحث لعلك لا تجد في غير هذا الموضع]، فهذا هراء وسخافة، ومع الأسف الشديد تأثر بعضهم تأثراً سيئاً عكس ما كان يريد الشيخ تماماً.
وقد يشبّه بعض طلبة العلم الشيخين، فيقول: [الشيخ / ابن باز في سيرته أقرب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، والشيخ/ الألباني في سيرته وطريقته أقرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان في السماحة آية، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في الشدة في أمر الله آية].
وامتاز الألباني بأنه كان صريحاً واضحاً، وإذا عرف الحق يطبق على نفسه، وعلى أهله، وعلى الجميع، وإذا كان واسع الصدر في الأشياء العلمية فإنه ربما يكون ضيقاً مع أخطاء الناس.
والشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- تميز في المقابل بأنه كان واسع الصدر جداً في أخطاء الناس، ولكنه لا يحب الجدال العلمي، والشيخ الألباني قد يناقش ثلاث ساعات في المجلس مسألة واحدة، الشيخ عبد العزيز كان يقول كلامه ويسكت، فلعل الشيخ عبد العزيز أقرب إلى عصر الصحابة، والشيخ الألباني أقرب إلى عصر الإمام البخاري والإمام أحمد لما كثرت النقاشات ومجادلة أهل البدع، فالبيئة لها دور في طبائع الشعوب، فاحتكاك الألباني مع أهل البدعة وما حصل من النقاشات كان له دور كذلك.
وهذان الرجلان لهما آثارهما في العالم الإسلامي بل كل العالم، يقول أحد الدعاة: [ذهبت إلى سياتل آخر مدينة في أمريكا على الساحل؛ لأرى أثر بن باز عملياً في إنشاء مركز الدعوة، وكفالة الدعاة، وطلبة علم، وأرى آثاراً علمية للألباني بكتبه الموجودة هناك، وذهبت إلى الصين فرأيت الشيء نفسه، وفي الحقيقة أن هذين الرجلين قد قيضهما الله -عز وجل- لتجديد الدين في هذا الزمان فردا الناس إلى السنة، وأيقظا في الناس اتباع الدليل الصحيح، والعقيدة الصحيحة.
متفرقات من حياته:
¥