تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[القمر: 17، 22، 32، 40].

يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره: أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل، ومرة إلى أولى العلم؛ ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها.

(د) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه. ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 - 13] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب.

وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء. وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد.

8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسير بالرأى المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله. وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به.

والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون. قال إبراهيم التيمى: سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال: أى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس. سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبُّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمرو الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ. ثم قال: اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كله من وحى قوله صلى الله عليه و سلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس. قال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه، فكفى بالله شهيدًا على صدقه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير