تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن،، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد}.

ويناقش الدليل الثالث، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث.

7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى: ـ

(أ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز.

وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته، مهما كان مستواه العلمى.

(ب) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه و سلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع. حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تعب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية. وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة.

وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية.

(ج) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء، على خلاف الكلام العادى للناس، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء. كما قال سبحانه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر}

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير