تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يذهب الطبري إلى أن لفظ الأمة الوارد في هذه الآية يعني الجماعة المتفقة على دين واحد، هذا مع أنه يقبل تفسير لفظ الأمة في آيات أخر بمعنى الجماعة على وجه الإطلاق، سواء أكانوا من الناس أم للصنف من الناس، وفي ذلك يقول: "وأصل الأمة الجماعة تجتمع علىدين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن الأمة من الخبر عن الدين لدلالتها عليه" ([4]).

غير أن الطبري من جهة أخرى نلفيه يورد قولاً مأثوراً يفيد أن المراد بقوله تعالى:] ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ـ الآية"، أنهما عنيا بذلك العرب، ويؤكد ما ذهب إليه بأثر حدثه به أحدهم، وذلك بإسناد منه قال فيه: "حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السديّ:] ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [يعنيان العرب" ([5])، في حين نجده يعقب في آخر تفسيره لهذه الآية قائلاً: "وأما الأمة في هذا الموضع، فإنه يعني بها الجماعة من الناس" ([6])، وكأنه بتعقيبه هذا يأخذ المعنى من قوله تعالى:] ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [. ([7])

هذا وقد نلفى إسماعيل بن كثير يرد على ما أورده ابن جرير الطبري، إذ يذهب إلى أن تخصيص السدّي في قصده من قوله تعالى:] ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [أنهم العرب، هذا لا ينفي من عداهم فقال في ذلك "والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده:] ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم [الآية، والمراد بذلك محمد e، وقد بعث فيهم كما قال تعالى:] هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأٍسود لقوله تعالى:] قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً [، وغير ذلك من الأدلة القاطعة" ([8]).

وعن تأويل ابن جرير الطبري لقوله تعالى:] تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [([9])، فهو يرى في الأمة التي خلت، المقصود بها هو نبي الله إبراهيم وأبناؤه إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وولدهم ([10]). ثم يفصل ذلك بقوله: "أن الله تعالى يقول لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى، دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية، فتضيفونها إليهم أمة، فإنهم أمة، .. ثم يستطرد بالحديث، إلى أن يقول: ويعني بالأمة في هذا الوضع: الجماعة والقرن من الناس" ([11]). وفي قوله تعالى:] وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [([12])، يقول الطبري: "كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلكم أمة وسطا ... إلى أن يقول: وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم" ([13]).

غير أن الطبري في شأن هذه الآية، لم نلفه يقف كثيراً عند لفظ الأمة كما عهدناه، بقدر ما وقف وفصل كثيراً، هذه المرة في لفظ (الوسط)، إذ نراه يذكر في شأن هذا اللفظ بأن الله تعالى وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا ربهم وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها ([14]). وكان قبل هذا قد توقف عند المدلول اللغوي لهذا اللفظ وأورد العديد من دلالاته. ومن ذلك نذكر على سبيل المثال قوله: "وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه" ([15]) وفي آخر تفسيره لهذه الآية، يؤكد القول بأن الوسط هو العدل، ذاهباً إلى ذلك مستشهداً بالأثر الذي حدثه به سلم بن جنادة ([16]) ويعقوب بن إبراهيم، أنهما قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، عن النبي e قوله:] وكذلك جعلناكم أمة وسطا [، قال: عدولا ([17]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير