تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولتأكيد ذلك، ودائماً في هذا الشأن، نلفي ابن كثير المفسر يورد حديثاً رواه عن الإمام أحمد في مسنده يقول فيه: "وحدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله e: يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. قال فذلك قوله:] وكذلك جعلناكم أمة وسطا [، قال: "والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" ([18]).

وفي شأن قوله تعالى:] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه [، الآية:" ([19])، فإن كلاً من الطبري و ابن كثير يذهبان إلى أن أهل التأويل قد اختلفوا في معنى لفظ (الأمة)، الوارد في الآية، كما اختلفوا في معنى لفظ (الناس) الموصوفين، بأنهم كانوا أمة واحدة، وفي ذلك يؤكد الطبري بالاستناد إلى قول بعضهم: "هم الذين كانوا بين آدم ونوح وهم عشرة قرون، كلهم كانوا على شريعة الحق، فاختلفوا بعد ذلك" ([20]). ثم يؤيد مذهبه هذا بقوله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن داود قال: حدثنا همام بن منبه عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله] كان الناس أمة واحدة فاختلفوا [ .. فتأويل (الأمة) على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، الدين .. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" ([21]).

ولكون ما ذهب إليه الطبري هو عينه ماذهب إليه ابن كثير في هذا الشأن، فإننا نلفيه يعلل مذهبه بقوله: "ولهذا قال تعالى:] وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه [ـ الآية". أي من بعد ما قامت الحجج عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض" ([22]).

كما نجد الطبري يقدم تأويلاً آخر، مستنداً فيه على أثر حدثه به محمد بن عمرو فحواه: " ... كان الناس أمة واحدة" قال آدم" ([23])، وهو يؤكد هذا القول معللاً إياه، بكون أن الله تعالى سماه بذلك لأنه ـ أي آدم عليه السلام ـ سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من اختلاف الخير، فلما كان آدم عليه السلام سبباً لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك أمة.

غير أن الطبري ما فتئ يورد قولاً آخر يقول بخلاف ذلك كله، إذ ذهب إلى أن القصد من قوله تعالى:] كان الناس أمة واحدة [، أي كانوا على دين واحد، فبعث الله النبيين. والطبري في هذا نراه يميل إلى هذا القول الأخير، إذ أنه يشفعه بالحديث الذي سمعه من محمد بن سعيد الذي حدثه به أباه عن عمه عن أبيه عن جده، عن ابن عباس قوله: "كان الناس أمة واحدة قال: كان ديناً واحداً، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" ([24])، وهو الأمر نفسه الذي نجد الطبري يطمئن إليه في ختام تفسيره لهذه الآية بدليل الأقوال والأحاديث التي قدمها والتي وصلت حد الاستطراد، والتي جميعها تصب في كون المراد بالأمة هنا: الدين الواحد الذي على ملة آدم عليه السلام.

أما عن الآية التي نجد أهل التفسير بالمأثور اختلفوا فيها كثيراً من حيث دلالتها اللغوية أو التأويلية فلعلها قوله تعالى:] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ـ الآية" ([25]). إذ لم نجد آية أخرى تحوي لفظ (الأمة) قد استأثرتهم بالعناية بها أكثر من هذه الآية. ولعل الطبري من الذين ذهبوا فيها كل مذهب، وقد يرجع ذلك عنده بالخصوص لاعتماده أكثر على عنصر الإخبار وإيراد الأحاديث والأقوال، دون أي ترجيح يمكن أن نعتبره ترجيحاً نابعاً من رؤيته الاجتهادية الخاصة، مقارنة بغيره ـ ولو بشيء من الاجتهاد ـ عند أهل التفسير بالرأي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير