تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثًا- والحقيقة- التي نغمض أعيننا عنها حتى لا نراها، ونسد آذاننا نحوها حتى لا نسمعها- هي أنه ليس في سؤال هذا الخنزير النجس، وجوابه عما يسأل ما يثير الدهشة والاستغراب والتعجب. وهل أتى بشيء من عنده؟!

فما سأل عنه، وأجاب به كان علماء المسلمين قد سألوا عنه، وأجابوا بمثل جوابه، منذ أربعة عشر قرنًا، مع ملاحظة الفرق في التوجه بالسؤال، والقصد منه. ولو أنك رجعت إلى ما قاله علماء النحو والتفسير في هذه الواو وغيرها، لوجدتهم قد اختلفوا فيها على قولين:

القول الأول: أنها (زائدة). أو: (صلة)، دخولها في الكلام، وخروجها منه سواء، وهو قول جمهور الكوفيين.

والقول الثاني: أنها واو العطف، وهو قول جمهور البصريين والمتأخرين، وتأولوا الآية الكريمة على حذف الجواب، وعدوا ذلك الحذف- كما تنقل أنت عنهم- من الحذف البلاغي المعجز.

وهذا القول الثاني ما هو إلا هروب من القول الأول، وفرار منه، وهو كالمستجير من الرمضاء بالنار فهو عندي أشد خطرًا من القول الأول؛ لأنه يعطيهم الذريعة؛ ليطعنوا في قرآننا أكثر، وأكثر. وليت الأحباب الغيورين والمتحمسين أن يتأملوا هذا الكلام جيدًا من قبل أن يقذفوا فيقذوا، ولكم عبرة فيما قاله هذا الخنزير وأمثاله من الحاقدين في مقدمة كتابه (أكذوبة الإعجاز العلمي)، وفي فصل (الإعجاز اللغوي للقرآن) من ذلك الكتاب. اقرؤوا كلامه جيدًا، واستوعبوه، فستجدونه يعلم عن قرآننا أكثر مما نعلم نحن، ويعرف من أنَّى تؤكل الكتف، وفي إيِّ مكان يدس سمومه؟. فكيف نرد عليه، وعلى أمثاله، وبماذا؟

اقرؤوا قوله في مقدمته يسأل: (لقد تحدى القرآن الكريم جميع البشر فلم يستطع أحد ان يقاوم ذلك التحدي.

والسؤال هو: ما هي شروط هذا التحدي؟ لا يعقل أن تتحدى شخصاً ما بأن يأتي بمثله دون أن تحدد الشروط، ودون أن تحدد " بمثله " في ماذا؟ اللغة، الشرائع، ...

مجرد سؤال:

هل الإعجاز في المعنى أم في بناء الجملة أم في النحو أم البلاغة أم أنه في جميعها؟

وهل هو خاص بالعربية وأهلها فقط أم أنه أيضاً قائم في حال الترجمة؟)).

رابعًا- والآن اسألوا أنفسكم:

1 - ما الفرق بين سؤاله وجوابه، وبين سؤال الفرَّاء وجوابه عند تفسير قوله تعالى: {َلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} (الصافات:103 - 104)، قال:” ويقال: أين جواب قوله {فلما}؟

وجوابها في قوله {وناديناه}. والعرب تدخل الواو في جواب {فلما} و {حتى إذا}، وتلقيها؛ فمن ذلك قول الله {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ}، وفي موضع آخر {وَفُتِحَتْ}، وكل صواب “.

وقوله:” وربما أدخلت العرب في مثلها الواو، وهي جواب على حالها؛ كقوله في أول السورة: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}، والمعنى والله أعلم: أوحينا إليه .. “.

2 - ثم اسألوا: ما الفرق بين قوله، وقول الطبري:” وقوله: {فلما ذهبوا به وأجمعوا} فأدخلت (الواو) في الجواب؛ كما قال امرؤ القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل

فأدخل (الواو) في جواب (لما)؛ وإنما الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا، وكذلك: {فلما ذهبوا به وأجمعوا}؛ لأن قوله: {أجمعوا} هو الجواب “.

3 - ثم اسألوا: ما الفرق بين قوله وقول الشيخ محي الدين الدرويش في كتابه (إعراب القرآن) حين وصف لنا قول الطبري والفراء، وأمثالهما بأنه قول جيِّد، لو ساعدت اللغة على زيادة الواو ..

4 - ثم اسألوا: هل في قول الدكتور فضل حسن عباس:” يرى الكوفيون أن الواو زائدة، والتقدير: فلما ذهبوا به، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، أوحينا إليه .. فالواو في {وأوحينا} هي الزائدة عندهم .. ولا شك أن في هذا القول خروجًا عن الصواب، وجرأة على كتاب الله، وابتعادًا بالآية الكريمة وبالنظم المحكم عن المعنى المراد “.

ثم في قوله بعد ذلك:” إن حذف الجواب في مثل هذه المواضع، لم يأت عبثًا؛ وإنما هو أمر يقصده القرآن قصدًا “.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير