هذا الكلام لا يقوله إلا كل من رضي لنفسه أن تكون للشيطان مركباً، ولأولئك المستشرقين الذين يتحدث عنهم .. وليس هناك من هو أعظم سوءاً ممن يكون جاهلاً، ثم يتهم غيره بالجهل، وممن يخضع ويخنع، ثم ينعت غيره بالخنوع والخضوع، وممن يطعن في كلام الله سبحانه، ثم يتهم من ينزه القرآن الكريم من الزيادة بأنه يطعن في أقوال السلف، ويخاطبه بهذا الخطاب الذي ينم عن جهل صاحبه وحقده وكراهيته لكل من يدافع عن القرآن ضد أعداء القرآن!!!
لقد مر هذا المقرىء بكل الأقوال التي ذكرها أستاذنا الفاضل محمد إسماعيل، والتي ذكرتها له أنت يا أخي سليمان، وبخاصة القول الأخير الذي ذكره الأخ عبد القادر، والذي لم يقل به إلا جاهل مهما بلغت درجته العلمية .. نعم لقد مر بكل هذه الأقوال، وكأنه عمي عنها فلم يبصرها .. حتى قول مولانا الدكتور الشيخ فضل حسن عباس، لم يره ولم يسمع به، وأعني قوله: (يرى الكوفيون أن الواو زائدة، والتقدير: فلما ذهبوا به، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، أوحينا إليه .. فالواو في {وأوحينا} هي الزائدة عندهم ... ولا شك أن في هذا القول خروجًا عن الصواب، وجرأة على كتاب الله، وابتعادًا بالآية الكريمة وبالنظم المحكم عن المعنى المراد“.
أرأيت كيف يخرج هؤلاء عن الصواب .. ويتجرؤون على كتاب الله .. ويبتعدون بالآية الكريمة وبالنظم المحكم عن المعنى المراد، أرأيت كيف يعبثون بكلام الله سبحانه، فيزعمون أن الواو قامت مقام تكرار الجملة الشرطية، فبدلاً من أن يقال:
((فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يلقوه في غيابة الجب أوحينا إليه .. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يلقوه في غيابة الجب أوحينا إليه)) ..
يقال اختصاراً؛ كما قال الله تعالى: ((فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يلقوه في غيابة الجب وأوحينا إليه)). فتكون الواو زائدة في الجواب، قائمة مقام تكرار الجملة مرة ثانية .. ثم يزعمون بعد هذا العبث أنهم يدافعون عن القرآن ضد من ينزه القرآن من ذلك العبث الذي لا ينطق به العامة من الناس، ويتجاهلون، أو يجهلون أن كلام الله الخالق الذي أعجز الثقلين من الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، لا يؤول بهذا التأويل الغريب الذي يدل على عجز صاحبه عن إدراك سر الإعجاز في هذه الواو!!!
وهذا القول الذي يصف هؤلاء وأمثالهم بالخروج عن الصواب، والجرأة على كتاب الله تعالى، والابتعاد بالآية وبالنظم المحكم عن المعنى المراد .. ليس هو قول الأستاذ محمد إسماعيل، وليس هو قولك، ولا قولي، ولكنه قول شيخ جليل مشهود له بالعلم والفضل والتقى من القائمين على إدارة هذا الملتقى، ومن كل من عرفه، وقرأ له.
وقد جاء توجيه هذا العالم الجليل للآية الكريمة بتوجيه جمهور البصريين والمتأخرين الذين يقولون بحذف الجواب في هذه الآية وأمثالها، ويرفضون القول بزيادة الواو؛ لأنها من حروف المعاني، كما قال النحاس.
ثم جاء توجيه الأستاذ محمد إسماعيل- كما بينه ووضحه- بأن الجواب ليس محذوفاً؛ وإنما هو قوله تعالى: (وأوحينا)، والواو ليست زائدة ولا عاطفة، وإنما هي واو الجمع، وسر وجودها أنها جمعت بين وقوع حدثين في وقت واحد: إجماعهم على إلقاء أخيهم في غيابة الجب، وإيحاء الله تعالى له .. واستشهد على ذلك بقوله تعالى في السورة نفسها: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} (يوسف:102)، مع ما ذكر فضيلته من شواهد ... فأي خطأ في هذا يا مقرىء؟؟؟ أهذا هو المركب الذي ركبه، ولم يؤمر به، بل نهي عنه؟؟؟ ما هذا الكلام يا مقرىء، ألا ترعوي، وأنت الذي تقول:
((وبفضل من الله أنني أحرص كثيرا على وزن ألفاظي وعباراتي))؟؟؟
ألم تعلم أن هذا المعنى للواو ذكره ابن جني في كتابه الخصائص تحت عنوان (باب خلع الأدلة)، فقال: (ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع. فإذا وضعت موضع مع، خلصت للاجتماع، وخلعت عنها دلالة العطف؛ نحو قولهم: استوى الماء، والخشبة).
فدلت الواو هنا على الجمع بين حدثين: استواء الماء، واستواء الخشبة، وكذلك الواو في الآية الكريمة دلت على الجمع بين حدثين وقعا في وقت واحد. وهذا ما فسرته بعد ذلك الآية الكريمة التي أشرت إليها. وهذا ما فصَّل القول فيه الأستاذ محمد إسماعيل جواباً على أحد استفسارات الشيخ الفاضل عبد الرحمن الشهري على مقاله الممتع والرائع (سر دخول الواو على جواب حتى إذا) في قوله تعالى: (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) الموجود في هذا الملتقى.
فهل سمعت بمثل هذا الكلام؟؟؟ وهل وصل بك علمك إلى مثل هذه المرتبة من الفهم لآيات الله تعالى؟؟؟ وهل سمعت بما دار من حوار حول القول بزيادة (لا) في قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة) الموجود على هذا الرابط؟؟؟ أم أنك- كما يقال- عدو لما تجهل؟؟؟
فحسبي الله فيك، ونعم الوكيل عليك!!!