تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فحق الله علينا أن نحمده، وأن نشكره على نعمة العلم، التي أنعم بها علينا. وشكر الله تعالى على هذه النعمة، التي لا تعدلها نعمة، لا يكون بالتصدي لعلماء المسلمين المخلصين في أقوالهم وأفعالهم؛ وإنما يكون بالتصدِّي لأعداء المسلمين، الذين يعملون ليل نهار، وبدون كلل أو ملل، للنيل من دين الإسلام، والقرآن الكريم. وهذا واحد من المئات منهم يطعن في قرآننا، وينكر ما فيه من روعة الإعجاز، على جميع المستويات، ولم يقتصر على جانب واحد من جوانب الإعجاز .. إنه يتحدانا، ويقول لنا بأعلى صوته: (فأين الإعجاز .. )؟ ويقول: (وأي إعجاز في .. ؟). فلم لا نرد عليه قوله، ونبين له ما خفي عن قلبه وبصره، ونكتم صوته بإظهار ما في هذا القرآن العظيم من إعجاز، لا قبل للبشر جميعًا أن يأتوا بسورة من مثله. ولتكون أقوالنا مقنعة، ومفحمة لكل من تسوِّل له نفسه أن يطعن في قرآننا من الحاقدين، أودُّ منكم أن تقفوا على بعض ما قاله علماؤنا في هذه الآية الكريمة:

أولاً- اختلف علماء النحو والتفسير في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ .. } على أقوال ذكرها القرطبي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة، فقال:” وجواب «حتى» محذوف، أي حتى إذا فشِلتم امْتُحِنتم. ومثل هذا جائز كقوله: {فَإِن ?سْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ?لأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ?لسَّمَآءِ} (الأنعام:35)، فافعل.

وقال الفراء: جواب {حتى}: {وتنازعتم}، والواو مقحمة زائدة؛ كقوله: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه}. أي: ناديناه .. وقال امرؤ القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى.

أي: انتحى .. وعند هؤلاء يجوز إقحام الواو من {وعصيتم}. أي: حتى إذا فشلتم، وتنازعتم عصيتم .. وعلى هذا فيه تقديم وتأخير. أي: حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم.

وقال أبو علي (الفارسي): يجوز أن يكون الجواب {صرفكم عنهم}، و {ثم} زائدة. والتقدير: حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم، صرفكم عنهم.

وجوز الأخفش أن تكون زائدة كما في قوله تعالى: {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم} .. وقيل: حتى بمعنى: (إلى)، وحينئذ لا جواب له. أي: {صدقكم الله وعده} إلى أن {فشلتم}. أي: كان ذلك الوعد بشرط الثبات“.

ثانيًا- وقال الفرَّاء في تفسير الآية ما نصُّه:” وقوله: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ .. } يقال: إنه مقدَّم ومؤخر؛ ومعناه: حتى إذا تنازعتم في الأمر، فشلتم .. فهذه الواو معناها السقوط؛ كما يقال: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه} معناه: ناديناه، وهو في (حتى إذا) و (فلما أن) مقول، ولم يأت في غير هذين. قال الله تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون}، ثم قال: {واقترب الوعد الحق}، ومعناه: اقترب .. “.

ثالثًا- وواضح من قول الفرَّاء السابق (يقال: إنه مقدَّم ومؤخر .. ) أنه يحكي قول من سبقه، ويؤكد ذلك أن الإمام الطبري نقل قول الفرَّاء السابق، ولم ينسبه إلى الفرَّاء- كعادته عندما كان يقول: (وقال بعض نحويي الكوفة)، ويعني: الفرَّاء- خلافًا لقوله هنا. وهذا نصُّ قوله بعد أن ذكر بعض أقوال أهل التأويل:” وقيل معنى قوله {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون}: حتى إذا تنازعتم في الأمر، فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، أنه من المقدم، الذي معناه التأخير، وأن الواو دخلت في ذلك، ومعناها السقوط؛ كما قلنا في: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه}، معناه: ناديناه.

وهذا مقول في {حتى إذا}، وفي {فلما أن} .. ومنه قول الله عز وجل: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج}، ثم قال: {واقترب الوعد الحق}، ومعناه: اقترب .. “.

رابعًا- وقال الألوسي:” وفي (حتى) هنا قولان: أحدهما: أنها حرف جر بمنزلة (إلى)، ومتعلقها {تَحُسُّونَهُمْ} أو {صَدَقَكُمُ}، أو محذوف، تقديره: دام لكم ذلك. وثانيهما: أنها حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية من (إذا وما بعدها)، وجواب {إِذَا} قيل: {تَنَازَعْتُمْ}، والواو زائدة واختاره الفراء، وقيل: {صَرَفَكُمْ}، و {ثُمَّ} زائدة، وهو ضعيف جداً. والصحيح: أنه محذوف، وعليه البصريون “ .. ثم حكى اختلافهم في تقدير هذا الجواب المحذوف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير