تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغلا بعضهم، فجوز الاستجمار بها من البول.

وقابلهم طالفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام. فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل، لا في التنزيل.

وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

قال في صحيحه: يحرفون: يزيلون. وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى ولكنهم يحرفونه: يتأولونه على غير تأويله.

وهذا اختيار الرازي في تفسيره.

وسمعت شيخنا يقول: وقع نزاع في هذه المسأله بين بعض الفضلاء. فاختار هذا المذهب ووهن غيره؟ فأنكر عليه، فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به.

ومن حجة هؤلاء: أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها، وانتشرت جنوبا وشمالا. ولا يعلم عدد نسخها إلا الله تعالى. ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، بحيث لا يبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة مغيرة. والتغيير على منهاج واحد. وهذا مما يحيله العقل، ويشهد ببطلانه.

قالوا: وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم محتجا على اليهود بها: " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ".

قالوا: وقد اتفقوا على ترك فريضه الرجم، ولم يمكنهم تغييرها من التوراة، ولهذا لما قرءوها على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وضع القارىء يده على آية الرجم. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك عن آيه الرجم فرفعها. فإذا هي تلوح تحتها. فلو كانوا قد بدلوا ألفاظ التوراة لكان هذا من أهم ما يبدلونه.

قالوا: وكذلك صفات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومخرجه هو في التوراة بين جدا. ولم يمكنهم إزالته وتغييره. وإنما ذمهم الله تعالى بكتمانهم. وكانوا إذا احتج عليهم بما في التوراة من نعته وصفته يقولون: ليس هو. ونحن ننتظره.

قالوا: وقد روى أبو داود في سننه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود، فدعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى القف. فأتاهم في بيت المدراس، فقالوا: يا أبا القاسم إن رجلا منا زنا بامرأة، فاحكم، فوضعوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسادة، فجلس عليها. ثم قال: ائتونى بالتوراة. فأتي بها. فنزع الوسادة من تحته، ووضع التوراة عليها. ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك. ثم قال: ائتوني بأعلمكم. فأتى بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم.

قالوا: فلو كانت مبدلة مغيرة لم يضعها على الوسادة، ولم يقل: آمنت بك وبمن أنزلك.

قالوا: وقد قال تعالى:" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " والتوراة من كلماته.

قالوا: والآثار التي في كتمان اليهود صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في التوراة ومنعهم أولادهم وعوامهم الاطلاع عليها مشهورة، ومن اطلع عليها منهم، قالوا له: ليس به. فهذا بعض ما احتجت به هذه الفرقة.

وتوسطت طائفة ثالثة. وقالوا: قد زيد فيها، وغير ألفاظ يسيرة، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه. والتبديل في يسير منها جدا.

وممن اختار هذا القول شيخنا في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.

قال: وهذا كما في التوراة عندهم: أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم عليه السلام: اذبح ولدك بكرك، ووحيدك إسحاق فـ إسحاقا زيادة منهم في لفظ التوراة.

قلت: وهي باطلة قطعا من عشرة أوجه.) ثم ذكر هذه الوجوه، ثم قال:

(والمقصود: أن هذه اللفظه مما زادوها في التوراة.

ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها، والحق أحق ما اتبع، فلا نغلو غلو المستهينين بها، المتمسخرين بها، بل معاذ الله من ذلك.

ولا نقول: إنها باقية كما أنزلت من كل وجه، كالقرآن.

فنقول، وبالله التوفيق:

علماء اليهود وأحباركم يعتقدون أن هذه التوراة - التي بأيديهم - ليست هي التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران بعينها. لأنا موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل، خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها، المؤدي إلى تفرقهم أحزابا. وإنما سلمها إلى عشيترته أولاد لاوى.

ودليل ذلك قوله في التوراة: وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى بني إسرائيل إلى الأئمة من بني لاوى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير