لم يختلط الأمر عليّ وفقك الله، وإنما أردت التنبيه على أن في نسبة هذا القول إلى الصحابة جميعاً نظراً
ثم إن هذا القول بنصه ليس في كتاب الصلاة لابن القيم، وإنما ذكر ابن القيم التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر - أو بين كفر الجحود والكفر العملي - وبيّن أن الصحابة لا يخرجون العبد من دائرة الإسلام بالكلية لوقوعه في بعض الأعمال التي هي من الكفر العملي. وهذا نص كلامه:
(فصل الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد
وها هنا أصل آخر، وهو أن الكفر نوعا: كفر عمل، وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان. وإلى مالا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان.
و أما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه: فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله سبحانه الحاكم، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم الكفر، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الحجود والاعتقاد. وكذلك قوله لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فهذا كفر عمل، وكذلك قوله من أتى كاهناً فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد وقوله " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما ترك العمل به، فقال تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم. ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح " سباب المسلم فيوق وقتاله كفر" ففرق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.
وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم. فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان. فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، .... ) إلخ كلامه
فابن القيم يبين طريقة الصحابة في مسائل التكفير عموماً، ولم يذكر أن الصحابة اتفقوا على أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[06 Jul 2005, 12:07 م]ـ
أخي في الله ... شكرا لك.
قول الإمام ابن القيم "وهذا التفصيل " أي الكلام المتقدم الذي ذكره هو, وفيه الكلام على مسألة الحكم بغير ما أنزل الله.
هذا ما بدا لي, فتأمل أخي الحبيبب, فإن كان صوابا, فمن الله.
وأنت-بارك الله فيك وزادك علما- تركت صلب الموضوع ولبه, فلم تعلق عليه معترضا أو مؤيدا, ثم تكلمت على فرع صغير في المقال.
بارك الله في الجميع.