تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونحن زيادة على ذلك نقول: لو تمعنت في الأمر قليلاً لو جدت الحديث حجة لنا لا علينا، إذ هو قرينة واضحة على أن المقصود بالآية أزواجه فلو كانت نازلة بخصوص أصحاب الكساء لما كان لدعاء النبي ? لهم معنى فما الداعي له والأمر محسوم من الأساس بدون دعائه؟! وإذن دعاء النبي طلب من الله أن يشمل بكرامته من دعا لهم شفقة منه أن لا يكون حكم الآية عاماً لأنه نزل في معرض الخطاب لأزواجه، ولو كان النبي ? يقطع بدخولهم في حكمها أو كان مطمئناً إلى ذلك لما دعا لهم.

مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص

أن مجيء اللفظ عاماً في صيغته والمراد به خصوص معناه معروف في لغة العرب إذا احتفت به قرائن توجب أو ترجح حمله على ذلك.

والقرينة إما حالية أو لفظية، فالحالية كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً) "2" فلفظ " أرض " و"أهلها" عام، والمراد به أرض مصر وأهلها وهو خاص. والقرينة ما نقطع به تاريخياً أن فرعون لم يحكم عموم الأرض.

وقال تعالى عن الريح التي أرسلها على عاد: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) "1" فلفظ "كل شيء" عام لكن القرينة اللفظية التي بعده وهي قوله: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) صرفت المعنى إلى الخصوص فلم يعم المساكن.

كذلك لفظ "أهل البيت" في الآية فهو وإن كان عاماً في صيغته فقد احتفت به قرائن منها المعنى الحقيقي "لأهل البيت" وهو الزوجة وسياق الآيات وسبب النزول … إلخ. جعلته يبدو للسامع خاصاً بأزواج النبي ? ولم تكن من قرينة تجعل النبي ? يطمئن ويقطع بأن المراد به العموم، لذلك دعا رسول الله ? لأصحاب الكساء،، وهكذا صار دعاؤه ? قرينة لنا على أمرين:

الأول أن أزواجه أول المقصودين بالآية.

الثاني: شمول اللفظ لبقية أهل بيته، ولولا دعاؤه لما كنا نستطيع القطع بالأمر الثاني فتأمل.

أما قصر الآية على أهل الكساء دون أزواج النبي فباطل لوجوه منها:

1 - المعني اللغوي لأهل بيت الرجل وهو أزواجه ومن يساكنه في بيته ولم يكن في بيته عند نزول الآية من أهله غير أزواجه.

2 - المعنى الحقيقي للأهل هو الزوجة. وأما تعديه إلى الأقارب فمجاز. وقد مرَّ بنا قول الراغب الأصفهاني:" أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل: أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب " وحمل اللفظ على معناه المجازي دون الحقيقي لا يكون إلا بعد اجتماع أمرين:

1) مانع.

2) قرينة.

مانع يمنع حمله على حقيقته وقرينة تصرفه إلى مجازه ولا مانع من حمل الآية على حقيقة معناها "الزوجة" بل ولا قرينة ساعة نزول الآية ترجح عموم المعنى فضلاً عن قصره على مجازه.

3 - سبب النزول: فإن أزواج النبي ? سبب نزول الآية والسبب داخل في الحكم دخولاً أولياً ولذلك لما أرادت أم سلمة – كما ورد في بعض الروايات – أن تدخل مع أهل الكساء قائلة: ألست من أهل بيتك؟! أجابها النبي ?: " أنت من أهل بيتي " و"أنت على خير"، أي أنت مشمولة بالخير فلا داعي لدخولك معهم، إذ أنت السبب في نزول الآية وهو معنى قوله ? في لفظ آخر:" أنت إلى خير أنت من أزواج النبي"، وهذا يعني أن أصحاب الكساء لو كانوا مشمولين من الأساس بحكم الآية لما دعا لهم النبي ?.

4 - سياق الآيات: فالسياق يأبى أن يدخل كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد في كلام العقلاء – وإلا كان ركيكاً ساقطاً يجب أن ينزه عنه كلام الرب جل وعلا، فما علاقة عصمة أشخاص معينين بالكلام عن أمور تخص أشخاصاً آخرين ليدخل فيما بين أجزائه؟!.

5 - بيت النبي ? هو المقصود بالآية لا بيت غيره: وبيت النبي ? كان يشغله وقت نزول الآية أزواجه وله وجود مستقل عن بيت علي – رضي الله عنه – ولا يمكن أن يخطر ببال النبي أو غيره أن قوله تعالى "أهل البيت" يعني به بيت علي وإنما هو بيت النبي فمن قال إن معنى " أهل البيت " خصوص أصحاب الكساء فإن ذلك يستلزم أن الآية نزلت خاصة بأهل بيت علي دون بيت النبي، وكأن النبي ? في هذه الآية هو علي بلا فرق فلو رفعنا النبي ووضعنا مكانه علياً لما تغير المعنى، وكذلك ألغينا أن يكون للنبي ? بيت خاص به دون غيره يمكن أن يكون محلاً لتنزل الرحمات وحلول البركات!! وهذا لا يقول به مسلم بل ولا عاقل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير