تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثاً / بيّنت الآيات الكريمات وظيفة ومهمة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وحددتها في وظائف ثلاثٍ جاءت على النحو التالي:

= الوظيفة الأولى هي التلاوة: ويُقصد بها أن يبدأ هذا الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن الكريم على قومه قراءةً مرتلةً ليُبلِغَهم ما فيه ويُعلمهم إياه، ولتكون تلك التلاوة سبيلاً لإقامة الحُجة عليهم، ووسيلةً لحفظ كتابه وآياته، إضافةً إلى التعبد لله تعالى بتلاوته. وهذا فيه بُعدٌ تربوي يُشير إلى أن " الهدف من تلاوة الآيات هو غرس الولاء للإسلام بين المُتعلمين عقيدةً وسلوكاً، وإبراز شواهد الأُلوهية والربوبية، وغرس الاتجاهات الإيمانية " (نبيل السمالوطي، 1406هـ، ص 189).

= الوظيفة الثانية هي التزكية: وهي احد المرادفات التُراثية التي استعملها بعض سلفنا الصالح للدلالة على معنى التربية الإسلامية الشامل والدّال على محاسبة النفس والعناية بها، والعمل على الارتقاء بجميع جوانبها (الروحية، والجسمية، والعقلية) إلى أعلى المراتب وأرفع الدرجات، وقد ورد أن المقصود بتفسير قوله تعالى: {وَيُزَكِّيكُمْ} " أي " يُطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة " (عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 1417هـ، ص 57).

وهنا لا بُد من التأكيد على أن مصطلح التزكية يمتاز بشموليته لمعنى العملية التربوية الكاملة التي تُعنى بمختلف جوانب النفس البشرية، وهو ما يؤكده أحد عُلماء السلف بقوله:

" يعني أنه يُزكِّي قلوبهم ويُطهرها من أدناس الشرك والفجور والضلال؛ فإن النفوس تزكو إذا طهُرت من ذلك كله، ومن زكت نفسه فقد أفلح وربح، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (سورة الشمس: الآية رقم 9). وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (سورة الأعلى: الآية رقم 14) " (ابن رجب الحنبلي، 1421هـ، ص 168).

وهنا يمكن ملاحظة أن الله تعالى في هذه الآيات الثلاث قد قدَّم التزكية على التعليم، وفي ذلك إعجازٌ تربويٌ يتضح عندما نعلم أن العملية التربوية تسبق العملية التعليمية، وأن حصول التزكية عند الإنسان يُسهم بدرجةٍ كبيرةٍ في تسهيل وتيسير وتمام عملية تعليمه.

= الوظيفة الثالثة هي التعليم: وهي وظيفةٌ تأتي بعد أن تتم عمليتي التلاوة والتزكيه، وبذلك يتم التعليم المقصود كأحسن ما يكون، وهو ما يُشير إليه أحد الباحثين بقوله:

" هذه الخطوة التربوية (أي التعليم) تترتب على الخطوتين السابقتين – تلاوة الآيات وتزكية النفس والعقل والجسم –، وهنا يكون الإنسان مؤهلاً لاستيعاب المعارف والمبادئ والتشريعات التي يشتمل عليها القرآن الكريم والسُنة المطهرة " (نبيل السمالوطي، 1406هـ، ص 195).

ولأن عملية التعليم تحتاج إلى مصادر واضحة ومُحددة لها؛ فقد تكفلت الآيات الكريمات ببيان هذه المصادر وتحديدها بدقة، وحصرت هذه المصادر في مصدرين رئيسيين هما: (الكتاب والحكمة)، ويُقصد بهما: القرآن الكريم و السُنة النبوية؛ فهما المصدران الإلهيان اللذان نصّت عليهما الآيات الكريمات. لما فيهما من الوحي الإلهي الذي تكفل الله تعالى بحفظه في قوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (سورة الحجر: 9).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الآيات في مجموعها قد تضمنت إلماحاً تربوياً مُعجزاً إلى الجانبين الرئيسين اللذين تقوم عليهما العملية التربوية بعامة، وهما:

= الجانب الفكري (النظري): ويتمثل في الجانب المصدري النظري الذي جاء وحياً من عند الله تعالى، وعبّرت عنه الآيات بالتلاوة.

= الجانب العملي (التطبيقي): ويتمثل في الجانب السلوكي العملي الذي يقوم به الإنسان ويُمارسه بنفسه، والذي عبّرت عنه الآيات بالتزكية أولاً ثم التعليم ثانياً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير