تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفرقان: من يقرأ الكتابين يلاحظ أنه في الكتاب الأول تكلمتَ عن القضايا العلمية والأخبار الغيبية الموجودة في القرآن وغيرها على أنها من وجوه الإعجاز، أما في الكتاب الثاني فقد اعتبرتها فقط دلائل على ربانية مصدر القرآن. لماذا؟

د. صلاح: في الكتاب الأول ذكرتُ أنها من وجوه الإعجاز، وبينت في المقدمة أن هذا من باب التنازل؛ لأن الكتاب هدفه أكاديمي -كما ذكرنا- وأني لا أرى ذلك، أما الكتاب الثاني فقد كتبته ليكون دراسة منهجية أشمل، ولذلك ذكرت فيه رأيي بدقة وبحرية؛ وهو أن هذه لا أعتبرها من وجوه الإعجاز وإنما هي أدلة على أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى.

الفرقان: ذكرتم في كتابكم الأول (البيان) (ص 65) أن "التحدي بالإتيان بمثل القرآن مستمر، فحيثما يوجد كافر يطعن في مصدر القرآن، فيوجه له التحدي لمعارضته" أقول: لما كان العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم يمتلكون ناصية اللغة كان التحدي بالإتيان بمثله في الفصاحة والبلاغة، ولكن لمَّا ضعفت الملكة البيانية بعد ذلك، فهل يعقل أن يتحدى الناس جميعاً بالبيان وحده؟! لماذا لا نقول بتعدد وجوه التحدي بتعدد وجوه الإعجاز التي ذكرها بعض العلماء؟

د. صلاح: هذا يقودنا إلى وجوب الفصل بين المصطلحات ومعرفة ما هو المطلوب في موضوع الإعجاز والتحدي. نحن متفقون على أن الإعجاز قائم على التحدي، ولا إعجاز إلا بعد التحدي، أيضاً عندما تتحدى طرفاً آخر أنت تطلب منه الإتيان بشيء، إذن هي مراحل ثلاث مترابطة وخطوات ثلاث متدرجة: معاجزة -أولاً-، ثم عَجْز -ثانياً-، ثم إعجاز -ثالثاً-، المشكلة أن بعض من يتكلم في الإعجاز لا يحسن التفريق بين هذه الأمور، ولا يقف أمام قوله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله) (البقرة: 23) (فأتوا) الأمر لمن؟ وما هو الهدف؟ وما المراد بالمثلية في الآية؟ في سورة هود يقول الله تعالى: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (هود: 13). و (مفتريات) معناها: مكذوبات. لماذا أتى بكلمة (مفتريات) صفة لعشر سور؟! هذا يقودنا إلى أن نذكر الخطوات الثلاث: أولاً المعاجزة .. المعاجزة تعني أن هناك معركة بين القرآن وخصومه، لما سمع الكفار القرآن قالوا: هذا ليس كلام الله بل هو من تأليف محمد r. كانت دعوى النبي أن القرآن كلام الله. لكنهم كذَّبوه في دعواه، ثم ارتقوا خطوة أعلى في التكذيب فقالوا: (لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين)، فزعموا القدرة على الإتيان بمثله، لما ادعوا القدرة على الإتيان بمثله ناسب أن يتحداهم الله فوراً فقال: (فأتوا بسورة من مثله). فالمعاجزة تعني أن القرآن أراد إعجاز المشركين وتعجيزهم، وهم أرادوا تعجيزه. نتيجة المعاجزة هي أن الكفار لم يستطيعوا الإتيان بمثله؛ فصاروا عاجزين أمام القرآن، والقرآن صار معجزاً.

الآن عندما نقول لم لا نوسع موضوع التحدي ونتحدى العالم بالموضوعات الأخرى في القرآن؟! حقيقة هذا كلام خطير جدّاً. أنا أرى أن المثلية المطلوبة في قوله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله) هي المثلية البيانية. من لا يعرف العربية لا أتحداه، ولكن أخاطبه بالأدلة الأخرى التي سميناها (دلائل مصدره الرباني). أقول له: أنا عندي في القرآن علم، لكن لا أقول له: هات علماً مثل القرآن .. العلم هذا سبق علوم الناس، وهذا دليل على أنه كلام الله، لكن لا أقول هات علماً مثله، أخشى لو قلت له ذلك أن يأتي بعلم مثله، وينجح في التحدي؛ وبالتالي يصبح عندي مشكلة كبيرة، فإذا هو أصر على موضوع التحدي -هذا الذي لا يتكلم العربية- أقول له: تعال أعطيك دورة لغة عربية. وعندما تتقن العربية كأي عربي أقول لك: (فأتوا بسورة من مثله) وعندها سوف يعجز.

إذن لا إعجاز إلا بعد العجز، ولا عجز إلا بعد التحدي، وعندما تتحدى أنت تطلب شيئاً محدداً، ولكن الذين يتكلمون في الإعجاز العلمي والغيبي وغيره غير منتبهين لهذه النقطة.

الفرقان: هل الخلاف حول هذا المصطلح (الإعجاز العلمي) يمنع من استخدام (الحقائق العلمية الموجودة في القرآن) في الدعوة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير