كما أن مما يحسن ملاحظته هنا أن ما يسمى بالإعجاز العلمي ليس مختصًّا بالقرآن وحده بل هو مخصوص بكلام الله سواءً أكان نازلاً على إبراهيم أم على موسى أم على محمد صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأن كلامه لا يتغير ولا يتبدل، فلا يمكن أن تجد في كتابٍ من كتبه أن السموات ستًّا أو ثماني سموات، مع ملاحظة أن غير القرآن قد دخله التحريف والنقص، فقد لا يوجد فيه ما يوافق القرآن في بعض هذه القضايا بسبب التحريف، والله أعلم.
3 ـ لا شكَّ أن الدعوة بالإعجاز العلمي هي أحد طرق الدعوة، وليس هو كل طرقها، بل وليس هو أنجعها وأنفعها، وكون بعضهم يزعم أن الإعجاز العلمي أهم الأسباب التي سوف تنقذ هذه الأمة من تخلفها وعجزها غير دقيق، بل إن الرجوع إلى كتاب ربنا والعمل بما فيه من الآيات التي تدعونا إلى عمارة الأرض والجد والاجتهاد فيما يعود على الإنسان وأمته والناس بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة هو الطريق الأمثل في هذا الموضوع.
وأيضًا، فإن طلب قيادة البشرية لا يكفي فيه العلم وحده، بل لابد له من قوة تحميه، فإذا وُجِد العلم ولم توجد له قوة تحميه فإنه يهاجر إلى هذه القوة؛ كما هو الحال في هجرة كثير من علماء المسلمين وغيرهم إلى الدول التي تحميهم في كل المجالات.
ومما يحسن التنبه له في مجال بيان الحق للناس ودعوتهم إليه بالإعجاز العلمي أن تصديق القرآن مرتبط بالاستعداد النفسي والتجرد للحق، فكم من العلماء الغربيين قد سمعوا ما يذكره الإعجازيون ومع ذلك لم يسلموا ولم تتهتز لهم شعرة.
أن هذا الموضوع ضُخِّم وأُعطي أكبر من حجمه من قبل المعتنين به حتى أصبح بعضهم يدعو إلى وضع مادة مستقلة للإعجاز العلمي تدرس في المدارس لعامة الطلاب، وأن تخصص في الجامعات أقسام خاصة له، بل وصل الأمر ببعضهم إلى انتقاص علماء الشريعة الذين لا معرفة لهم بما يسمونه الإعجاز العلمي، ولو أن هذه العناية صرفت إلى فهم كتاب الله وما فيه من حكم ومقاصد أُنزل من أجلها لكان في ذلك من الخير والنتائج أضعاف ما يحصل من العناية بالإعجاز العلمي.
4 ـ إن بعض الإعجازيين دخلوا في هذا المجال بسبب ردود الفعل؛ إما بما رأوا من تنقص بعض الملحدين للمسلمين ودينهم، وإما بسبب ما يرونه من الهجمة الشرسة على الإسلام والدعوى بأنه دين جامد يحارب العلم، ولقد كان لردة الفعل هذه أثرٌ في طريقة تفكيرهم وتناولهم لتفسير الآيات تفسيرًا يتناسب مع ما أُوتوه من علم بشري تجريبي أو كوني.
5 ـ أن الله قد بين لنا المقاصد والغايات التي أنزل من أجلها القرآن، وقد بين لنا سبحانه الدلائل الواضحة والبينة على صدق هذا الكتاب وصدق هذا النبي صلى اله عليه وسلم من حين نزل القرآن فلماذا نهمل كل هذه الأمور ونتَّجه إلى جزئية صغيرة اعتورها كثير من المحاذير، فالعدل والإنصاف يقتضي أن يعطى كل شيء قدره، وأن ينزل كل أمر في منزلته، مالم نفعل فسوف نصرف جهودنا في أمور غيرها أولى منها، ونشتغل بما هو أدنى عما هو خير.
6 ـ إن ما يقوم به الإعجازيون إما أن يكون بحثًا محضًا في العلوم الطبيعية، وأما أن يكون تفسيرًا لكلام الله، فإن كان بحثهم في مجال تخصصهم فلهم أن يبينوا قدرة الله ولطفه في كونه لا يردُّهم بهذا الأمر أحدٌّ، بل تلك طريقهم التي يحسن بهم أن يسلكوها ويدرِّسوا الطلاب على هذا السبيل لكي لا ينفك الطلاب عن النظر والتفكر في قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
وإن كان بحثهم في مجال التفسير، فإن تفسير كلام الله عز وجل باب خطير لا يحق للإنسان أن يلجه إلا بعد أن يتأهل لذلك، وقد قرر العلماء أن من فسر القرآن بمجرد رأيه، فإنه يكون مخطئا ولو أصاب في تفسيره، فكيف بمن يدخل في باب التفسير ببضاعة مزجاة ويتجرأ على تفسير كلام الله عز وجل ويتهجم على أهل التفسير الذين أفنوا أعمارهم على تعلم هذا العلم وتعلم أدواته، فللتفسير شروط وطرائق لابدَّ من الإتيان بها ومعرفتها، ومن نقص في معرفتها نقص في وصوله إلى التفسير الصحيح، وطرح هذه الأمور لا تحتمله مثل هذه المقالة، لكن الملاحظ أنَّ كثيرًا ممن دخل في هذا المجال لا يحسن منهج التفسير، ولست أقول ذلك من فراغ حين وصفتهم بالكثرة، بل هذا هو الواقع، والله المستعان.
¥