تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

7 ـ إنَّه مما يظهر على بعض الإعجازيين فرحهم بما أوتوه من العلم، حتى إنَّ بعضهم ليخطئ كل من سبقه، ويزعم أنهم لم يعرفوا تفسير الآية ولم يأتوا في معناها بما يُقنِع، وهذا الأمر يظهر عند بعضهم صريحًا، ويظهر عند بعضهم بلازم قوله، كمن يزعم (أنَّ الآيات الكونية لا يمكن فهمها فهمًا صحيحًا في إطار اللغة وحدها)، ولازم هذا الكلام أن رسول الله عليه وسلم لم يفهم هذه الآيات، فضلاً عمن عاصره من الصحابة أو جاء بعدهم، ولم تُفهم هذه الآيات حتى ظهرت هذه العلوم الكونية والتجريبية.

وظنيِّ بكثيرٍ ممن صدر منه هذا الكلام حسنٌ جدًّا، وإنما أُتِي ودُخِلَ عليه هذا الفهم بسبب عدم فهمه لطبيعة التفسير ولمنهجه الصحيح، ولو علِمه لأثبت أن ما فهمه السالفون فيه حقٌّ لا مرية فيه، وأنه لا يوجد آية لم يُفهم معناها وحُجِب حتى يأتي هو فيبينها، وإنما الأمر أنه أضاف وجهًا آخر قد يكون صحيحًا في فهم الآية فحسب.

وكل من أتى على تفسير السالفين بالإبطال فليحذر، وليخش على نفسه أن يكون ممن فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وتنقُّصوا علم السالفين.

8 ـ ليس سبيل هذه المقال سبيل الوعظ ولا سبيل إثبات سلامة فهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم للقرآن، لكن ألا يدل الدليل العقلي على أنَّ من ألَّف كتابًا لطلابه فهم أدرى به من غيرهم ممن يجيء بعدهم، وأنه لو وقع اختلاف في الفهم بين طالب من طلاب الأستاذ ورجل جاء بعده بقرون فإن العقل يدلُّ على قبول قول الطالب وتقديمه لأنه أدرى بكتاب أستاذه وبملابساته.

وهذه الصورة شبيهة بحال في من نزل القرآن بين ظهرانيهم، وتعلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلَّموا أتباعهم هذا الكتاب، فهم أدرى به وبملابساته من غيرهم، فلا يقع في ظنِّ أحدنا أنه فاتهم شيء من فهم هذا القرآن.

9 ـ فإن قلت: ما ظهر لنا في هذا الزمان من تصديق لما في كتاب ربنا مما اكتشفه الباحثون في الأرض والسماء كيف نعمل به مع ما ذكرتَ؟

فالجواب: إن ثبوت فهم السلف لجميع معاني القرآن لا يعني انتهاء هذا الفهم عندهم فقط، لكنه يعني أنهم لم يبقَ عندهم ما يحتاجون إليه ولم يفهموه هذا أولاً.

وثانيًا: أنهم قد ظهر عندهم أفهام جديدة بسبب بعض الحوادث التي حدثت في عصرهم، ونزلوها على الآيات، وعملوا بها، فدل ذلك على أصل المسألة، وهو جواز إحداث قول جديد؛ لأن القول بغير ذلك يلزم منه وقوف التفسير، فأين تقف به؟ أتقف به على الصحابة، أم على التابعين أم على أتباع التابعين، وما الحجة في ذلك، وأين تضع ما صح من تفسيرات للعلماء الذين جاءوا بعدهم؟

ثالثًا: أن ما صح دلالة القرآن عليه من قضايا العلوم المعاصرة لا يُعترضُ عليه بعدم معرفة السلف له، وإنما يُرفضُ لو كانوا عَلِموه فأبطلوه، أو عُلِمَ أنهم علِموه فتركوه، فتركهم مع علمهم به يدل على وجود إشكال في ذلك، وذلك ما لم يقع منهم.

رابعًا: إن تفسير القرآن بما صح واحتملته الآيات من هذه العلوم المعاصرة لا يدل على جهل السلف، بل ليس من باب الأدب أن يُنسبوا إلى ذلك؛ لأن المسألة لا تدخل من هذا الباب، بل هي تدخل في باب تطور العلم البشري، وليس يلزم أن يكون جمهور الصحابة يعلمون كل شيء كان في عصرهم فضلاً عما سيجيء بعدهم؛ ألا ترى لو أن قائلاً قال: (إنَّ عائشة رضي الله عنها لا تعرف أن تطبخ الأكلة الفلانية المعاصرة)، فإن ذلك مدعاة للسخرية من هذا القائل. وهذه المسألة قريبة من تلك، فلا يصح نسب الجهل لهم.

10 ـ إن منهج التفسير الذي سار عليه العلماء، ونصَّ عليه بعضهم أنَّ القول الذي قيل بعد جيل السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعون وأتباعهم) يُقبل بضوابط، وهي: أن يكون القول صحيحًا في ذاته، وأن تحتمله الآية، وأن لا يكون في القول به إبطالٌ لتفسير السلف، وأن لا يُقتصر على هذا القول حتى لا يُفهم أن غيره غير صحيح، فإذا وافقَ قولٌ هذه الضوابط فهو قول يدخل في محتملات الآية، ولا يلزم أن يكون هو القول الصحيح الوحيد، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير