قال الإمام الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي المتوفى سنة (282هـ) في آيات الحكم بغير ما أنزل الله –فيما نقله عنه أبو رائد المالكي في مقاله: الحكم بغير ما أنزل الله .. مسألة العصر-: " فمن فعل مثل ما فعلوا (أي اليهود) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره ".
إليك -ثانية- نص الحديث من صحيح مسلم كاملا فاصلا قاطعا: جعلت تعليقاتي على متن الحديث بين أقواس هكذا (()):
(1700) قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية. قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن البراء بن عازب. قال:
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما ((أي مسود الوجه، من الحممة، الفحمة)) مجلودا. فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا " هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " قالوا: نعم ((تنبه أخي القارئ إلى هذه الكلمة جيدا)). فدعا رجلا من علمائهم. فقال " أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا. فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ((أي أنهم بدلوا التوراة وحرفوها وغيروا الأحكام الموجودة فيها بتبديلها, فحذفوا حكم الله من التوراة, ووضعوا مكانه ما شرعوا هم بأهوائهم .. ,فتأمل)). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه ". فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. إلى قوله: إن أوتيتم هذا فخذوه} [5 /المائدة /41] يقول ((أي العالم اليهودي الذي سبق ذكره في أول الحديث)): ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم. فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ((كلمة "فاحذروا" واضحة كل الوضوح لكل ذي عينين في أنهم يسخطون على حكم الله ويأنفون منه, بل يفضلون حكم أهوائهم على حكم الله, وهذا هو الكفر بعينه كما يقول أهل السنة والجماعة)). فأنزل الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة /44]. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون [المائدة /45]. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة /47]. في الكفار كلها.
رواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي وغيرهم. وهو حديث صحيح جدا صححه مسلم والوادعي (الصحيح المسند ص95) , وهو كما قالا
فتأمل –أخي القارئ- جيدا في الحديث, وما علقتُ عليه.
وتأمل ما جاء في الحديث " فأنزل الله تعالى ((فكان إنزال الله لهذه الآيات مترتبا على ما فعلته اليهود, فدلالة السبب والسياق والقرائن التي وردت في سبب النزول قاطعة كل القطع في أن الآية وردت في من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً ومبدلا)): ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
وبهذا يتضح أنهم لم يستحلوا ما وضعوه بقولهم ((نعم)) فحسب, بل إنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد-كما يقول العنبري- من الاستحلال .. إلى الرضا والتسليم والإقرار بأن هذا هو حكم التوراة.
وبهذا قال أئمة الإسلام: الطبري, والجصاص, وابن كثير, وغيرهم ممن سترى أقوالهم في الفصل الثاني من هذا الباب.
وبهذا تعلم بطلان كلام من يحتج بهذه الآية على كفر من حكم بالقوانين الوضعية من غير التفصيل الذي ذكرناه في الباب الأول: فصل (قبل أن نبدأ).
هداني الله وإياك إلى ما فيه الصواب. والحمد لله أولا واخرا.
2 - حول قول الله عز وجل "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون", وأقوال العلماء فيها.
إن قول الحق تبارك وتعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" فيه عمومان اثنان –كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ بندر العتيبي-:
¥