تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم. فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان. فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل. فها هنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم. قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى {من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة:44) ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه.

وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله. وقال في رواية أخرى عنه: كفر لا ينقل عن الملة

وقال طاووس: ليس بكفر ينقل عن الملة. وقال وكيع عن سفيان عن بن جريج عن عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.

وهذا الذي قاله عطاء بين في القرآن لمن فهمه، فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافراً. وسمى جاحد ما أنزله على رسوله كافراً. وليس الكافران على حد سواء ".

2 - سأل إسماعيل بن سعد الإمام أحمد بن حنبل: (ومن لم يحكم بما أنزل الله .. ) ما هذا الكفر؟

قال: " كفر لا يخرج من الملة ". انظر مسائل ابن هانئ (2/ 192). وقال ابن هانئ في سؤالاته (2042): "وسألته عن حديث طاووس عن قوله: كفر لا ينقل عن الملة؟ قال أبو عبد الله: إنما هذا في هذه الآية: ?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون? ".

وانظر مرويات الإمام أحمد فى التفسير2/ 45, ومسائل أحمد برواية أبي داود (209) -وقد طبع طبعتان الأولى بتحقيق الشيخ محمد رشيد رضا وتصحيح الأستاذ محمد بهجت البيطار طبع في مصر. والثانية بتحقيق طارق بن عوض الله مكتبة ابن تيمية ط1, 1420هـ -. وهو ما أكده الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 522): " وقال ابن عباس وغير واحد من السلف ... كفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دون ظلم. وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري وغيرهما".

وذكر شيخ الإسلام بن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/ 254)، وتلميذه ابن القيم في "حكم تارك الصلاة" (ص59 - 60): أن الإمام أحمد –رحمه الله- سئل عن الكفر المذكور في آية الحكم؛ فقال: "كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه".

3 - البخاري (انظر السطور السابقة).

4 - يقول الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم في الإيمان (ص89: 90): " وأما الفرقان الشاهد عليه في التنزيل: فقول الله عز وجل: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وقال ابن عباس: (ليس بكفر ينقل من الملة) وقال عطاء بن أبي رباح: (كفر دون كفر). فقد تبين لنا إذا كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب فلا معنى له إلا أخلاق الكافر وسنتهم؛ لأن من سنن الكافر الحكم بغير ما أنزل الله. ألا تسمع قوله: " أفحكم الجاهلية يبغون ". وتأوليه عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية, إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون".

5 - يقول ابن جرير الطبري في "جامع البيان" (6/ 166): "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبراً عنهم أولى.

فإن قال قائل: فإن الله تعالى قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصاً؟! قيل: إن الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، هو بالله كافر؛ كما قال ابن عباس".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير