تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولأجل هذه اللوازم الفاسدة التي مآلها التكفير بالذنب جاءت نصوصُ العلماء حاسمةً للمسألة مبيِّنةً للفهم الصحيح للآية من أنها ليست على ظاهرها هذا. فلقد فسر السلف رضي الله عنهم قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " بأنه كفر دون كفر أو كفر لا يخرج من الملة. فالمعنى الصواب والصحيح للآية أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً أو مبدلاً فقد كفر. فالكفر المذكور في الآية المعنيون به هم اليهود ومن فعل فعلهم. ويدخل في معنى "الجحودِ والتبديلِ" "الاستخفافَ بأحكام الشريعة والاستهزاءَ بها, أو تفضيلَ غيرها عليها, أو اعتقادَ عدم وجوب العمل بها, أو اعتقادَ جواز الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة ".

ولا يلزم من ذلك-كما هو واضح بين لكل منصف باحث عن الحق والحقيقة, مفارق لربقة الهوى والتعصب- أنه لا يكفر إلا بالجحود. وقول المرجئة-هداهم الله- يحصر الكفر في الجحود.

وإليك كلام الأئمة, وأعلام الأمة .. كاملا بنصه وحروفه, ليكون هذا الكتاب الذي بين يديك جامعا مستغنيا عن غيره, ولتعلم تواتر ما ذكرت لك في تفسير الآية في أمتنا الإسلامية:

1 - قال الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة ص55: " فصل: الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول (ص) جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.

وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده .. فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه .. يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه: فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد. ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ولا يطلق عليهما اسم كافر، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد، وكذلك قوله: [لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض] فهذا كفر عمل، وكذلك قوله: [من أتى كاهناً فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد] وقوله: [إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما]، وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم?ترك العمل به، فقال تعالى: من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون، ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم، أفتأمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما (البقرة: 84).?تعملون

فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم. ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقبل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح: [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر] , ففرق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر كفراً، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير